26 يوليو، 2024 12:03 م
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (10).. الكتابة منحة إلهية تحقق توازنا نفسيا ووعيا عميقا

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يجد الكاتب دعما وتشجيعا من الأبوين، وقد يجد متنفسا في أسرته، لكن يظل الانعزال وسيلته في تفهم وفهم العالم من حوله، طريقته ليعي به وعيا عميقا، ويستطيع أيضا أن يعبر عن هذا الواقع المحيط بشكل جيد.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

امتطاء الثقافة..

ويقول الكاتب المصري “فتحي اسماعيل”: “شعور الاغتراب والذي قد يصل إلى النفور أحيانا من مظاهر الحياة العادية وطقوسها، والرفض الفطري والتمرد منذ الطفولة، يدفع للعزلة، ومن ثم، حين تصطدم بالآخر تعتقد أنه هو المختلف، أو إنه قاصر عن الفهم، يتوارث تعبيرات وعادات وهيئة، لن يبتكر أو يجدد عليها شيئا، منتجه هو ما توفره له قدراته المكتسبة وهي قليلة والموروثة وهي كثيرة.

وهنا يحصل الصدام وتزداد الهوة، وتتعمق العزلة، فأنا باختصار كنت أعتقد أنني على الصواب وأنهم مختلفون “.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم، وكيف كان تقبلهم لميله إلى القراءة والكتابة يقول: “الأهل من بيئة مستنيرة بيتنا على ريفيته لم يخل من كتب، منها ما اهترأ ورقه دلالة على إرث ثقافي قديم وإن لم يكن بالشكل الممنهج المستديم، كانت العائلة أكتر احتكاكا بالعالم الخارجي والحياة الاجتماعية، لذا رأوا عزلتي شيئا شاذا  وحاولوا “تقويمي””.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب له ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “نعم، والحقيقة لا أندهش أنني كنت أتمنى ألا أتبع غربتي وأتيه باختلافي، كنت أعطي نفسي وعوالمها أولوية، وشعوري بالغربة كان يستفحل لدرجة البكاء، وخاصة في المناسبات الاجتماعية، التي تنتزعني من عزلتي، ولا أستطيع مجاراتها”.

وعن تمني أن يتعامل معه الأهل والمحيطون بشكل مختلف يقول: “بل على العكس كنت أتمنى أن أتعامل أنا معهم بشكل مختلف، أن أنخرط فيهم، وأحتضن عاديتهم وأحترم عاداتهم، عاداتهم الاجتماعية التي كنت أستهجنها، وأبحث عن المثالية بين دفات الكتب وعند عقول الكتاب والفلاسفة والمفكرين، أراها الآن بعين أفقية، ملائكية، بعدما فجعت بمسالب المثقفين وتداعي أخلاقياتهم، وتبرير أفعالهم اللا أخلاقية، واللا انسانية، والتنصل من آثامهم بممسوح رهبانية مقيتة”.

وعن الندم علي شغفه بالكتابة والقراءة وهل كان يتخيل حياته بدون الكتابة يقول: “لا. لست نادما على أي شيء فعلته إلا حرماني نفسي من وقت أطول مع أحبائي الذين رحلوا، ونادم على عدم تفهمي أحيانا لهم. لست نادما أني قرأت وشغفت. ولكني نادم لاعتقادي بمثالية المثقفين والكتاب، على الأقل فيما يتعلق بالأمانة والضمير، والصدق، والقبول بالآخر، وعدم الحقد والضغينة.

للأسف يحملون آثاما اجتماعية تفوق أضعاف أضعاف ما كنت أرفضه في الآخرين، ندمت على ثقتي بالناس، ولكني لم أندم على الكلمة أخذا وعطاءً.

ولكن على الذين امتطوا الثقافة ليمرروا سوءات أخلاقهم أن يندموا، لما أفسدوه، وكان حريا بأمثالهم أن يكونوا من المصلحين”.

الكتابة تغيير للمجتمع..

يقول الكاتب المصري: “محمود عبد الستار عطية”: “الحقيقة أن الشعور بالاختلاف جاء مبكراً جداً؛ فقد كنت في بلدتي جنوب مصر أسعى على خلاف أقراني  للاستماع إلى حكايا الجدود والعجائز ممن حولي، إدراكاً مبكراً بأن هناك عمق في ذواكرهم، بُعد لما يقولون على عقلي مسؤولية جمعه واكتنازه كثروة معرفية مهمة. تستحق البحث والتنقيب رغم مخالبي البسيطة آن ذاك”.

ويضيف: “لم يعاملني الأهل كغريب عن تكوينهم؛ فقد كان أبي ابناً لشيخ مثقف يحمل شهادة إتمام حفظ القرآن من الأزهر الشريف وجهة التعليم الغالبة في زمنهم. كانت علاقتهما أبي وجدي بالقراءة جيدة جداً فكانت الكتب مفردة متوفرة في بيتنا وكذلك الصحف بمقالاتها السياسية ومجلات الأطفال؛ لذلك كان منطقياً جداً بعد فوزي بجائزة المدرسة في الكتابة (قلم جاف) في الصف الثالث الإبتدائي أن يشترك لي والدي في مكتبة ويدفع الاشتراك بصدرٍ رحب مع توفير ميزانية لتأسيس مكتبة منزلية متفرعة من مكتبة جدي لأبي وكل مجلات الأطفال لصالح موهبتي”.

ويواصل: “تتحقق زاوية الشعور بالإغتراب هنا، في إحساسك بأنك صاحب ميول مُختلفة. وكذلك احتياجات نوعية مختلفة. كل ذلك في سياق مجتمع قليل القراءة، وأحياناً لا يقدرها ولا يقدر بالتبعية من ينتجها رغم تجليات ما يُكتب، وكون الإله منح تلك القدرة والموهبة للبعض دون الكافة؛ لكنها مشكلة مجتمع تجبرك أحياناً على الشعور بالإغتراب أو الإنعزال الجزئي إن جاز التعبير “.

ويكمل: “الكتابة هي تحدى للمجتمع وأفكاره، ورسالة في عمقها تغيير المجتمع للأصلح من خلال طرح الأفكار في سياقات مُختلفة مُغايرة لعلها تعيد تشكيل الفكر الجمعي ما يدفعه للأصلح؛ وللمكانة الحضارية التي تليق بالوطن. لذلك لابد لمن يحمل القلم، وبطاقة كاتب أن يكون قادراً على تلك التحديات والمجابهات والمسؤولية الفكرية بالأساس”.

الكتابة تمنح التوازن النفسي..

ويقول الكاتب العراقي “أحمد غانم عبد الجليل”: “كنتُ أشعر باختلاف كبير منذ الطفولة، لكن الكتابة لم تكن من ضمن أسباب ذلك الاختلاف، بل أنها صارت وسيلة لتجاوز الكثير من الأزمات التي عشتُها وعايشتها، وشيئًا فشيئًا الكتابة ذاتها أخذت تتحول إلى شكل آخر من أشكال ما أشعر به من اختلاف عن أقراني، لكني كنت أجده أيضًا مثل وسيلة من وسائل القدر كي أعثر على بصمة خاصة بي وحدي، وبعد حين عرفت أن تلك البصمة هي كل النصوص التي أنشرها تباعًا ضمن رواية أو قصة أو مقال أو خاطرة”.

وعن هل عامله الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم، وكيف كان تقبلهم لميله إلى القراءة والكتابة يقول: “من حُسن الحظ أنني من عائلة مثقفة، تُقدِر معنى الكلمة، والوالد رحمه الله كان يمتلك مكتبة ثرية جدًا في مجالات مختلفة، وتربطه صداقات وثيقة بعدد من الكتّاب المعروفين، إلا أن كتاباتي ظلت من ضمن خصوصياتي التي أرغب بحجبها عن الجميع، وبعد أن بدأت النشر في الصحف والمواقع الإلكترونية عرفت أسرتي أن الأمر يتعدى الهواية، وأني أمتلك موهبة لا بد من تطويرها باستمرار”.

وعن هل كان يفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب له ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “أنا بطبعي أحب الوحدة والعزلة مع نفسي، رغم محبة الأهل ووجود الأصدقاء، والكتابة تفرض على الكاتب المزيد من تلك الوحدة والعزلة، لكنها ليست تلك العزلة التي تدعو إلى الانفصال عن العالم من حولي، فالكاتب أيضًا لا بد أن يبقى ضمن واقعه وظروفه، بكل ما يتضمن من انكسار ومشاق، على أن يستطيع احتواء كل تلك الصعاب وتحويلها إلى نصوص فنية ذات قيمة ورؤية تعكس جانبًا من ملامح مجتمعه ولو عبر معاناته الشخصية”

وعن تمني أن يتعامل معه الأهل والمحيطين بشكل مختلف يقول: “بالنسبة للأصدقاء كان القليل منهم مهتم بالأدب والثقافة بشكل عام، لذا لم يكن هناك مجال كبير للدخول في محادثات جادة مثل التي صارت عليه فيما بعد، وقد اعتدت على احتمال سخافات البعض ممن يجدون أن الكتب مضيَعة للوقت أو أنها تدخل في نطاق المحرَمات، وعرفت أيضًا كيف أحوِل كل موقف مزعج إلى نواة فكرة جديدة”

وعن الندم علي شغفه بالكتابة والقراءة وهل كان يتخيل حياته بدون الكتابة يقول: “دومًا أشعر أن الكتابة هبة إلهية، بالنسبة لي بشكل خاص، لولاها لكانت حياتي شديدة الصعوبة والقسوة، فالكتابة تمثل لي وسيلة توازن نفسي يعينني على الاستمرارية، وبقدر ما تأخذ الكتابة والقراء من وقت وتحتاج إلى قدرة على التركيز تهب في المقابل وعيًا يجعل الكاتب مرآة عاكسة للمجتمع، وهذا ما يحقق له المزيد من النجاح، لذلك أسعى دومًا إلى التمرد على كل حالة تنتابني وتحاول إبعادي عن عالم القراءة والكتابة، مهما استغرقتني فترات البعد عن الشغف الذي أمضيت جُل عمري فيه، وقد تناولت شيئًا من أزمات الكاتب الحياتية من خلال رواية “رواية للبيع” الصادرة مؤخرًا”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب