موافقة الولايات المتحدة على عقد مؤتمر فيينا بمشاركة ايران وهي التي رفضت مشاركتها في مؤتمرات جنيف السابقة أريد به صرف الأنظار عن خطتها الأخيرة بتسليح القوات الارهابية في سوريا بالاسلحة وهذه المرة بصواريخ مضادة للدروع وأخرى لاستهداف الطائرات المحلقة على علو مرتفع اضافة الى دبابات وناقلات جنود لتنقل مقاتلي ما تسميهم ” المعارضة المعتدلة” تحت حماية طائراتها. وبالاضافة الى ذلك نوه اشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي انه قد يبدأ بالاعلان عن مناطق حظر الطيران في اللاذقية وحلب وعلى منطقة الحدود السورية الشمالية مع تركيا. والهدف من وراء ذلك الحظر فيما لو طبق بالفعل هو منع الطائرات العسكرية الروسية من استهداف تلك المناطق المخطط لها أن تكون مراكز أمنة ينطلق منها المسلحون الموالون للأمريكيين والترك في شن عملياتهم المسلحة ضد قوات النظام السوري تمهيدا لاعلانها مناطق محررة.
الاعلان عن خطة لمناطق حظر الطيران فوق المناطق العازلة ستعني عمليا البدء بتقسيم سوريا وعندها ستدخل الشعب السوري في متاهة جديدة وتحويل بلادهم الى دولة فاشلة أسوة بالصومال وليبيا تتحكم تركيا في رسم خريطتها بما يضمن تتريك المنطقة السورية الحدودية باحلال أتراك فيها واجبار سكانها الأكراد على ترك الأرص التي سكنها آجدادهم لمئات السنين ولحرمانهم من حقهم في تحقيق حلمها القومي بدولة كردية أسوة بالأتراك والعرب. الارهاب الذي مارسته الجندرمة التركية ضد أحزاب المعارضة قبل الانتخابات الأخيرة وخلالها وبعدها هو اشارة الى توجه ديكتاتوري فاشي للرئيس أردوغان للانفراد بالقرارات السياسية التي ينوي اتخاذها لشن عدوانه على سوريا متخذا من شعار الحرب على داعش غطاء زائفا لخداع الرأي العام الداخلي والغربي لضمان تأييد الولايات المتحدة ودول الناتو.
اردوغان غير معني بالحرب على الارهاب حقيقة ، لأنه هو وراء انتشار الارهاب في سوريا والعراق وهو من حول تركيا الى محطة استقبال للارهابيين من شتى انحاء العالم بعد أن أعد بايحاء من الولايات المتحدة وتمويلها معسكرات تدريبهم وايوائهم وتسليحهم وتسهيل انتقالهم بأمان الى دول سوريا ولبنان والعراق. المقابلة التي أجراها الصحفي Christiane Amanpour مع رئيس الوزراء التركي Ahmet Davutoğlu تلقي مزيدا من الضوء على الموقف التركي الذي أشرنا له. وهذه مقتطفات من المقابلة :
الصحفي امانبور : هل توافق تركيا فيما اذا توفرت لها ظروف ملائمة أن تكون جزء من قوات ارضية لدخول سوريا..؟؟
رئيس الوزراء دافوتوكلو : هناك حاجة لاستراتيجية يتفق عليها مسبقا فتركيا لا تستطيع لوحدها تحمل هذا العبئ. اذا كان هناك تحالف واتفاق واستعداد مسبق فتركيا على استعداد لتأخذ موقعها فيه.
الصحفي : بما في ذلك المشاركة بقوات على الأرض..؟؟
رئيس الوزراء : بالطبع .. علينا حل الأزمة في سوريا على أفضل وجه.
الصحفي: لماذا تضع الحكومة التركية الصعوبات أمام رغبة الأمريكيين باستخدام مقاتلي الكرد كجزء من قواتهم الأرضية ..؟؟
رئيس الوزراء : نحن لا نخلق صعوبات للأمريكيين في استخدام الكرد ، لكن الحزب الديمقراطي الكردي PYD هو جناح من حزب العمال الكردي PKK في حين هناك مجموعة كردية أخرى هي البشمركة وقد سمحنا لها بالمرور عبر تركيا الى كوباني لمحاربة داعش لكن ليس الارهابيين الاكراد من حزب العمال. انهم يهاجمون مدننا ويقتلون جنودنا والمواطنين المدنيين العزل ولن نتسامح أو نساعد أي مجموعة لها علاقة بحزب العمال سواء في سوريا أو في العراق. (النص الكامل للحوار يث على قناة سي أن أن الأمريكية الاخبارية.)
لقد نص الاتفاق السري بين تركيا والأمريكيين باستخدام قاعدة انجيرليك التركية مقابل تعهد أمريكي بالموافقة على 1- استحداث منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود مع تركيا ، 2- اعلان حظر للطيران في المنطقة التي تقوم القوات التركية بعملياتها العسكرية داخلها ، 3- تعهد أمريكي بازاحة الأسد من السلطة. لكن على ما يبدو ان الامريكيين متمسكين بخيار استخدام الأكراد الموالين لحزب العمال الكردي التركي بدليل قيام طائراتهم باسقاط اسلحة متطورة في مناطق تحشدهم. الخلافات بشأن ها الموضوع ما تزال دون حل ومن المقرر أن تعاد دراسته في الاجتماعات الجانبية بين أردوغان وأوباما خلال انعقاد قمة العشرين المقررة لها في أنقرة في الأيام القريبة القادمة. لكن الانتصارات الأخيرة التي تحققت للجيش السوري أخيرا قد تعرقل خطة اردوغان – أوباما بخصوص المناطق العازلة والحظر الجوي.
فقد أعلن أخيرا أن القوات السورية قد نجحت يوم الثلاثاء العاشر من الشهر الحالي من دحر قوات داعش وغيرها التي كانت تحاصر القاعدة الجوية القريبة من مدينة حلب ذات المليونين ونصف المليون من السكان والسيطرة على طريق الامدادات الرئيسي الذي كانت تعتمد عليه في مواصلة تقدمها في المنطقة. وقد أدت العملية الى مقتل المئات من مقاتليها وانسحاب البقية الباقية باتجاه الحسكة آخر معاقلها ويعتبر هذا النجاح الأول منذ أربع سنوات من القتال بين الجيش والقوات الارهابية. وبناء عليه فان منطقة الحدود السورية مع تركيا ستكون تحت حماية ورقابة القوات السورية والطيران الروسي وبذلك سيتعذر على الأتراك اقامة المنطقة العازلة والحظر الجوي ولذلك فان التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية في الدورة الثانية من مؤتمر فيينا القادم سيكون أكثر صعوبة. فقد علق التحالف الأمريكي التركي الخليجي الآمال على اقامة منطقة حظر الطيران والمناطق العازلة لتعزيز مواقفهم التفاوضية أثناء المؤتمر وفرض شروطهم على الطرف الآخر روسيا وايران والعراق وممثلي النظام السوري.
وبرغم ذلك تداولت وسال الاعلام أخيرا مشروع خطة سياسية سيقدمها الوفد الروسي الى قمة مؤتمر فينا القادم. وتنص الخطة على تحديد فترة زمنية اقصاها 60 يوما يجري خلالها تعديل الدستور السوري تمهيدا لتأليف حكومة تمثل كافة الأطراف السياسية السورية وتعد لانتخابات عامة باشراف الأمم المتحدة وتحت مراقبة ومساعدة منظمات دولية محايدة على أن يشترك في الانتخابات كافة السوريين بما فيهم الذين اضطروا للهجرة الى خارج البلاد بسبب الحرب الأهلية. لم تشر الخطة الى استبعاد أي دور للرئيس الأسد في المفاوضات القادمة لتشكيل الحكومة المؤقتة وهو الشرط الأهم الذي وضعته المعارضة لمشاركتها في الانتخابات القادمة والذي بناء عليه أصدروا بيانا أعلنوا فيه رفضهم للمشروع الروسي. لكن رغم ذلك فان انعقاد المؤتمر بحضور 17 عشر دولة ومنظمة دولية ذات علاقة مباشرة وغير مباشرة بالموضوع السوري يعتبر حدثا بالغ الأهمية لأن أكثرية الأطراف اذا لم يكن جميعها أصبحت على اقتناع بضرورة التوصل الى اتفاق ينهي معاناة الشعب السوري المستمرة للعام الخامس على التوالي.
لكن الهجرة الجماعية لمئات آلاف السوريين والعراقيين من منطقة العمليات المسلحة الجارية هناك قد شكلت مبررا لتدخل الدول الأوربية وخاصة دول الاتحاد الأوربي باتجاه ايجاد حل للحرب الأهلية في سوريا. فالمهاجرون الى دولهم خلقت ردود فعل مضادة من جانب الراي العام الأوربي مما عزز من الاتجاهات الفاشية المعادية للمسلمين والمهاجرين بوجه عام وهدد العلاقات الاجتماعية والسلم الأهلي الذي تمتعت به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن وهو الأمر الدي تحاول أن تتحاشاه الحكومات المعنية.