ليس هي سياحة في عالم متخيل ولا في لحظة تأمل مثلما ننظر إلى حطام سفينة في لوحة , بل هناك تقهقر لاعقلاني وماكنة إعلامية ضخمة من الترهات وتهديد يستهدف ثقافتنا وتمجيد لا أخلاقي للفعل المشين
يصف الفيلسوف توماس كارلايل التاريخ بأنه ( ليس خلاصة السيرة المتعددة وإنما هو سجل بجرائم وغباء وسوء طالع البشرية ) لذا تعامل الحاكم المستبد على كل العصور وكأن الكون غرفته الخاصة والتفاؤل بحياة كريمة ضربا من الطوبائية فلا خروج من هذه الدائرة مادام الإنسان ضمن ممتلكاته الخاصة , لكن منذ متى والحياة لا تستحق التسجيل في إي وثيقة على اعتبار إن الإنسان مستند من مستندات التاريخ ؟ وها نحن نعيش مفارقة كبيرة وقاسية لتدميره والرغبة للعودة للبربرية والإصرار على إن الحياة ذات لون واحد مثلما كانت معارك التنويريين من أنصار غاليلو وبين المتشددين من الكنيسة حتى وصل الأمر كما يقول الكاتب الألماني غوته في سيرة حياته إن التطعيم ضد الجدري كان يلاقي معارضة شديدة وتدخلا من قبل المحافظين الذين أفتوى بان التطعيم ضد المرض هو مناقض لقانون الطبيعة!!
لكننا نحتاج ألان للتطعيم ضد الكراهية والعنف والحروب والصراعات والتصدي للموجة الظلامية التي تريد ان يكون الإنسان مخلوق غبي ومشوه وان يعوي كلب الجحيم سربروس ذا الرؤوس الثلاثة ( في بابل الحزينة المهدمة ) *(1) وينظر الإنسان بريبه إلى الغيوم التي توحي بالنحس لذا لم يعد له ما يخسره وهو محاصر بالزمن وقلقه ومفاجأته والعالم يبدو له مجرد خريطة في حياة خاضعة للأسف لدفق تلقائي من غد بلا ملامح , والعالم يتبدل ويتغير ولكن لا جديد , إما التفاؤل فلم ينبت عليه ريش بعد !!
هل الصورة قاتمة ؟ والإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين لن ينتهي والتهم دائما مضحكة وبائسة
في العام 1920 اعتقلت السلطات الاسبانية الشاعر ( شيزار فاييهو 1892-1938 ) وهو من أصدقاء الرسام العالمي بيكاسو بعد حريق في المخزن الرئيسي لمدينته ( سانت غودل شوكو ) كان دوره للمصالحة بين إطراف النزاع دعاة الجمهورية ومناوئيهم من الملكيين الذين استخدموا نفوذهم وسطوتهم ( الا انه اعتقل وقضى في السجن ثلاثة أشهر بتهمة المحرض الثقافي على الحريق ) *(2) او محاكم رد الاعتبار في عهد الملك الاسباني فرناندو او كما تشير سيرة حياة الفنان العالمي ( غويا ) مدينته سرقطسة هربا من بطش لجان التفتيش والتي تشابه في عصرنا لجنة مكارثي الذائعة الصيت !!
هذا العالم المأزوم يزداد حمى التشدد ولا معنى أنساني قادر على ان يتغلب على لغة التشفي حتى بالميت , كما حصل للكاتب والشاعر باسترناك (1890 – 1960 ) وهو الحاصل على جائزة نوبل للآداب عن روايته (د. زيفاكو ) حين منعت سلطات الاتحاد السوفيتي خبر نعيه
,او عندما أصابت هذه الحمى أنصار الحزب الفاشي في ألمانيا في العاشر من نيسان عام 1933 لتقام حفلة صاخبة لحرق كتب بحجة مناوئة الكتاب لنهج هتلر وطموحه في نشر فوضاه وعبثيته على العالم , ولان تقاسيم الزمن تعرف منفردة ستظل صرخة ( عساف ) مدوية (3) ( إن الإنسان في هذه الأيام يمتلك روحا شريرة لا تمتلكها الذئاب أو إي حيوانات أخرى ) ِ
(1) من قصيدة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب
(2) قصائد شيزار فاييهو – ترجمة فاضل عباس هادي
(3) رواية النهايات للروائي الكبير عبد الرحمن منيف