17 نوفمبر، 2024 9:45 م
Search
Close this search box.

العراق بين حرية التظاهرات و المقابر الجماعية!!!

العراق بين حرية التظاهرات و المقابر الجماعية!!!

يُعَدُّ الأنبياءُ والرُسُلُ (ص) أوّل من تظاهر على السلطان الجائر ؛
فقد دعا الله نبيَّه موسى (ع) بقوله تعالى :

{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) ـ سورة طه}

{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ـ سورة طه}

أو كما قال رسول الله محمد (ص) :

” سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ”

ولقد كفل الدستور العراقي حرية المواطن في التعبير عن رأيه المشروع في التظاهر على الجوانب السلبية في الدولة لأجل تصحيحها خدمة للشعب والوطن .

المادة (38) : تكفل الدولة ؛ بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

ولاشك أن هناك فرقاً كبيراً بين الاجتماعات والتظاهرات السلمية ، إذا كانت مجازة من السلطات المختصة وحسب الأصول ، وبين التمرد والعصيان على الدولة .. التي تشكل جريمة طبقا لقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ) المادة 364 ) ، كما أنَّ التظاهرات السلمية إذا رفع فيها المتظاهرون شعارات تحرض على قلب نظام الحكم أو على الكراهية أو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية أو البغضاء بين سكان العراق يشكل جريمة تستوجب العقاب طبقا للمادة( 200 ) من قانون العقوبات النافذ .

ولعلنا نستحضر مآسينا خلال سلطة جمهورية الخوف والرعب التي تسلطت على صدر عراقنا العزيز ، والتي ملأت الهور والسهل والجبل والحدود وخارجها .. الذين اغتالتهم يدُ البعث الصدّامية ، حتى جاء العهد الذي يؤرشِفُ فيه الدستورُ الحقوقَ المهضومة لأولئك الأبرياء.

حيث وصف قانون التعديل الأول لقانون حماية المقابر الجماعية رقم (5) لسنــــــــــة 2006المادة ـــ 2 ـــ ب ـــ المقبرة الجماعية: الأرض التي تضم رفات أكثر من شهيد تم دفنهم أو إخفائهم على نحو ثابت دون إتباع الأحكام الشرعية والقيم الإنسانية الواجب مراعاتها عند دفن الموتى وبطريقة يكون القصد منها إخفاء معالم جريمة إبادة جماعية يقوم بها فرد أو جماعة أو هيئة وتشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان. ج ـــ الضحايا: مجموعة من الشهداء التي يتم العثور عليهم في المقابر الجماعية.

ثانياً: تسري أحكام هذا القانون على جرائم المقابر الجماعية المرتكبة في ظل النظام البعثي الدكتاتوري البائد والجرائم التي ارتكبتها العصابات الإرهابية والبعثية قبل وبعد عام 2003.

وكما جاء في ديباجة الدستور العراقي ..

((نَحْنُ أبناء وادِي الرافدينِ، مَوْطِن الرُسُلِ وَالأنبياءِ، وَمَثْوىَ الأئِمَةِ الأطْهَارِ، وَمَهد الحضارةِ، وَصُنَّاع الكتابةِ، وَرواد الزراعة، وَوُضَّاع التَرقيمِ. عَلَى أرْضِنَا سُنَّ أولُ قانُونٍ وَضَعَهُ الإنْسَان، وفي وَطَنِنا خُطَّ أعْرَقُ عَهْدٍ عَادِلٍ لِسياسةِ الأوْطان، وَفَوقَ تُرابنا صَلَّى الصَحَابةُ والاولياءُ، ونَظَّرَ الفَلاسِفَةُ وَالعُلَمَاءُ، وَأبدَعَ الأُدَباءُ والشُعراءُ.عِرفاناً منَّا بحقِ اللهِ علينا، وتلبيةً لنداءِ وَطَنِنا وَمُواطِنينا، وَاسْتِجَابَةً لدعوةِ قِياداتِنَا الدِينيةِ وَقِوانَا الوَطَنِيةِ وَإصْرَارِ مَراجِعنا العظام وزُعمائنا وَسِياسِيينَا، وَوَسطَ مُؤازَرةٍ عَالميةٍ منْ أَصْدِقائِنا وَمُحبينَا، زَحَفْنا لأولِ مَرةٍ في تاريخِنَا لِصَنادِيقِ الاقتراعِ بالملايين، رجالاً وَنساءً وَشيباً وَشباناً في الثَلاثين منْ شَهرِ كَانُون الثَانِي منْ سَنَةِ أَلْفَين وَخمَس مِيلادِيَة، مُستذكرينَ مَواجِعَ القَمْعِ الطائفي من قِبَلِ الطُغْمةِ المستبدةِ، ومُسْتلهمين فَجَائعَ شُهداءِ العراقِ شيعةً وسنةً، عرباً وَكورداً وَتُركُماناً، وَمن مُكَوِنَاتِ الشَعبِ جَمِيعِها، وَمُستوحِينَ ظُلامةَ اسْتِبَاحَةِ المُدُنِ المُقَدَسةِ وَالجنُوبِ في الانتِفَاضَةِ الشَعْبانيةِ، وَمُكَتوينَ بِلظى شَجَنِ المَقاَبرِ الجَمَاعيةِ وَالأَهْوارِ وَالدِجيلِ وَغيرها، وَمُسْتَنْطِقينَ عَذاباتِ القَمْعِ القَومي في مَجَازرِ حَلَبْجةَ وَبارزانَ وَالأنْفَال وَالكُوردِ الفَيلِيينَ، وَمُسْتَرجِعينَ مَآسِي التُركُمَانِ في بَشِير، وَمُعَانَاةِ أَهَالي المنْطَقَةِ الغَربيةِ كبقيةِ مَنَاطِقِ العِراقِ منْ تَصْفيةِ قيِاداتها وَرُمُوزها وَشُيوخِها وَتَشريدِ كفاءاتها وَتَجفيفِ مَنابِعها الفِكْرِيَةِ وَالثَقافيةِ، فَسَعينَا يَدَاً بيَدٍ، وَكَتِفاً بِكَتفٍ، لِنَصْنَعَ عِراقَنَا الجَديدَ، عِراقَ المُسْتَقبلِ، منْ دونِ نعرةٍ طَائِفِيةٍ، وَلا نَـزْعَةٍ عُنْصُريةٍ، وَلا عُقْدَةٍ مَنَاطِقِيةٍ، وَلا تَمْييز، وَلا إقْصَاء.لمْ يُثْنِنِا التكفيرُ والإرهابُ من أن نَمْضِيَ قُدُماً لبناءِ دَوْلةِ القانونِ، وَلَم تُوقِفْنَا الطَائِفِيَةُ وَالعُنْصُريةُ منْ أَنْ نَسيرَ مَعَاً لِتَعْزِيزِ الوحْدَةِ الوَطَنيةِ، وَانْتِهَاجِ سُبُلِ التَداولِ السِلْمي لِلسُلْطَةِ، وَتَبْني أسْلُوب التَوزيعِ العَادِلِ لِلِثَروْةِ، ومَنْحِ تَكَافُؤ الفُرَصِ للجَمْيع.نَحنُ شَعْب العراقِ الناهضِ تَوَّاً من كبْوَتهِ، والمتَطلعِّ بثقةٍ إلى مستقبلهِ من خِلالِ نِظاَمٍ جُمهورِيٍ إتحاديٍ ديمقْراطيٍ تَعْددُّيٍ، عَقَدَنا العزمَ برجالنا ونِسائنا، وشُيوخنا وشبابنا، على احْتِرامِ قَوَاعدِ القَانُون، وَتحقيقِ العَدْلِ وَالمساواة، وَنبْذِ سِياسَةِ العُدوان، والاهْتِمَام بِالمَرْأةِ وحُقُوقِهَا، والشَيْخِ وهُمُومهِ، والطِفْلِ وشُؤُونه، وإشَاعَةِ ثَقَافةِ التَنَوعِ، ونَزْعِ فَتِيلِ الإرهاب.نحنُ شَعْب العراقِ الذي آلى على نَفْسهِ بكلِ مُكَونِاتهِ وأطْياَفهِ أنْ يُقَررَ بحريتهِ واختيارهِ الاتحادَ بنفسهِ، وأن يَتَّعِظَ لِغَدِهِ بأمسهِ ، وأن يَسُنَّ من مِنْظُومَةِ القيمِ والمُثُلِ العليا لِرسَالاتِ السَماءِ ومِنْ مسْتَجداتِ عِلْمِ وحَضَارةِ الإنْسَانِ هذا الدُسْتورَ الدائمَ. إنَّ الالتزامَ بهذا الدُسْتورِ يَحفَظُ للعراقِ اتحادَهُ الحُرَ شَعْبَاً وأرْضَاً وسَيادةً.’))

وعلى ضوء المعطيات الآنفة؛ لابد للشعب العراقي الكريم أن يقارن بين الظروف القمعية والمآسي التي كان يرزح تحتها بالأمس وبين حريته اليوم .. إذ لا زائرَ ليل يقتحم عليه مخدعه الأسري الآمن،ولا شرطي يقتاده من مقعده الجامعي أو الوظيفي أو التجاري إلى جهة مجهولة وهو معصوب العينين مكبّل اليدين.

نعم ؛ لعلنا لم نستسغ طعم الغزو الأمريكي للعراق ـ ونحن أحفاد مجاهدي ثورة العشرين ـ إلاّ أنَّ الظالمَ سيفُ الله .. يقتصُّ به ويقتصُّ منه .

حتى إذا ما أشرقت شمس الحرية والديمقراطية على ارض وادي الرافدين ، وأنعم الله علينا بنعمة الانتخابات،التي لم نحسن استخدامها وتعاطيها .. هذه النعمة التي تطلعت إليها شعوب الدنيا التي استخدمتها الاستخدام الأمثل في التعبير عن إرادة الجماهير الأقوى من الطغاة .

فرحنا نلوّن أصابعنا بالحبر البنفسجي دون وعي وانتباه .. آخذين بعين الجهل رؤية المنافع الفردية على منافع المجموع .. نرشّحُ من لم نعرف تاريخه وسيرته النزيهة ، حتى إذا ما أطبق الحكم ، رحنا نندب حظنا ونلعن يوم الانتخابات الأسود ونعيبه ، وكان الأحرى بنا أن نعيب

أنفسنا لا الزمان . فرحنا نتظاهر في الجُمُعَات ، متوسّـلين بالجماهير أنْ يغيّروا الفاسدَ من واقعنا الحكومي ، وكأننا نجهل بأن عملية التغيير تبدأ من أنفسنا التي لن تغيّرَها حتى السماء ، مالم نغيّرْها نحنُ !

والحالة هذه ؛ فالوطن اليوم يعاني من تهديد خارجي مؤيد بحواضن الإرهاب النائمة والمستيقظة المختبئة بين تلافيف الفساد الاجتماعي الأفسد من فساد المؤسسة الرسمية .

لأنَّ عملية مكافحة الفساد الحكومي رهينُ الزمن الذي ستحسمه صناديق الاقتراع ، بينما الفساد الاجتماعي فلن تستطيع أصابعنا البنفسجية حسمه إلاّ بالفقء .

ولعلّي أتفاءلُ كثيراً عندما أنظر إلى نصف القدح الممتلئ ، إلاّ أني أزفرُ حسراتي على نصفه الفارغ .. وأنا أسعى إلى أنْ أملأ هذا النصفَ الفارغ . ولن أستطيع أن أحافظ على نصف القدح الممتلئ بلعن الفراغ ، بل بالمحافظة على حالة الامتلاء بمناصرة الأيدي الأمينة و شطب الفاسدين ، كي يمتلئَ القدحُ بالماء النظيف ، عندما أضرب بيد من حديد على الفساد الاجتماعي وأحارب الإرهاب الذي يهدد المواقف الوطنية النزيهة ويسعى إلى تصفيتها ، كي تخلو الساحة لثعابين داعش تفتك بهياثم صقور الوطن وتمتص دماءها الزكية ، حتى تخلو الأرض من أبطالها ، فيكون العراق ضيعة من ضياع دولة لا إسلامية في العراق والشام سيئة الصيت، فتعود المقابرُ الجَماعية وتسقط ُحرية التظاهرات !

أحدث المقالات