28 ديسمبر، 2024 3:58 م

برخت بين القائل نعم…و لا,,حدود متاحه للتفسير..

برخت بين القائل نعم…و لا,,حدود متاحه للتفسير..

المسرح الملحمي ذلك النتاج البرختي الذي حول المسرح من مجرد حبكة الى سرد منطقي ..جعلنا نحن المشاهدون ملاحظون دقيقيون لمجرى الاحداث.. بل مشاركون فيها من خلال قدرته على ايقاظ الفعل الانساني لنا..واتخاذ القرارات الحاسمة لمجرى الصراع ..تلك الرؤية الثاقبة لما يجري في العالم..ويرغمنا ايضا على أن نكون جزء اساسي في صنع المواجه..والوصول للغاية.. تلك النقطة الحاسمة في التغير..ففيه يقف المشاهد خارجا لكي يعلل ويدرس تفاعل الحدث ..بأعتبار أن الكائن الانساني ليس حالة جامده بل هو موضوع للبحث والاستقصاء..وقابل للتغير والتعديل في الموقف الحياتي..وبغض النظر عن  للخاتمة .. فهي مواكبة واعية لمجرى ما يحدث ..ولانها  مشاهد قائمة بحد ذاتها وليس متصلة بفعل درامي متسلل..فالمنحيات هي القاسم المشترك في الاعمال..والثبات على ضرورة المعالجة باعتبار أن الانسان قائد فعلي لها..والخلاصة البرشتية تقول  أن المعضلات الاجتماعية هي التي تصنع الفكر من خلال العقل لا الشعور..فيقول عن ذلك الزمن :
أي زمن هذا
الذي يكاد يُعد فيه الحديث عن الأشجار جريمة
لأنه يتضمن الصمت على العديد من الفظائع؟
بهذه الكلمات لخص برتولت بريشت مأساة جيله، وتراجيديا الشعر في زمن النكبات الانسانية بمعالجة مسرحية نالت الشهرة بالاستحسان والنقد
 
وكان بريخت يردد على الدوام المقولة التالية:”لا شئ اهم من تعلم التفكير بشكل خام. فالتفكير الخام هو تفكير الرجال العظام”. ان مسرح بريخت يهدف الى دفع المشاهد للتفكير
,والنص المسرحي .*الذي يقول نعم أو (القائل نعم) (Der Jasager) نص تعليمي كتبه بريخت للمسرح بين العامين 1929-1930 ونشر العام 1930، وقد اعتمد فيه على مسرحية النو اليابانية (تانيكو – Taniko) ، وهو عمل أوبرالي كتبه بريخت للتلاميذ في المدارس الثانوية الألمانية. وحينما عرض النص على خشبة المسرح ، رفض الكثير من التلاميذ فكرته الأساس، واتهموه بالرجعية ومحاولة قتل الانسان باسم الحفاظ على التقاليد الاجتماعية.
لذا هو تراجع في معالجة الخاتمة الانسانية للصبي ..فتغير من الاستسلام الايجابي  الى مواصلة الحياة بفعل الارادة الفردية والجماعية.

*  وفي النص المسرحي الذي يقول لا أو ( القائل لا) ( Der Neinsager) اوبرا مدرسية تعليمية أيضا كتبها بريخت في العام 1930، ونشرها في العام 1931، بعد عروض (القائل نعم)، وهي مراجعة عبقرية للنص الأول، وإستجابة أصيلة من مبدع فذ لنبض الناس واستشراف للروح الجديدة للعصر، وتطبيق متماسك للجدل الفلسفي الذي كان يقود فكره ووعيه الظاهر والباطن. بعد ذلك ظل النصان متلازمين في العروض وفي النشر الأدبي.
ولعل التفاوت الفكري بين مسرحية القاتل نعم ولا.. يبرز بشكل واضح في مشاهداتنا  لطبيعية العمل المسرحي الملحمي لبرشت..ففي الاولى استسلام منطقي للقدر..باعتبار أن هناك غايات  انبل اخرى يحققها الغير..وأن الحياة مستمرة وستستمربدون ذلك الصبي الذي اصبح سلما لنجاة والدته والاخرين..
ودعوته في القائل نعم  أن يقتلوه ويخلصوه من الموت البطيئ فيها مبررات انسانية عدة..بينما في المسرحية الثانية هناك اصرار على أن يستمر الانسان بالتعاون مع المجموع في الوصول للغايات ..مهما كبرت أو عظمت التحديات..
القائل نعم والقائل لا) في بنيته الحالية، نص تعليمي يعتمد على مقولة بسيطة ولكنها مهمة وأساسية هي : على المرء أن يفكر بطريقة مغايرة تبعا لكل حال يستجد. لكن هذه المقولة رغم بساطتها تحمل في طياتها الكثير من الصراع والجدل، فما بين ( نعم) و(لا) برزخ بين عالمين.
لذا كانت المعالجة الواعية لبرشت للمسرحيتين فيها تغريب واضح ..لمعنين مختلفين وهدفين غيرمتناقضين..
واجمل ما لخص فيه ذاته ..والمجتمع  ..في هذه الرحلة المريرة حين قال:
“أنتم يا من ستعقبون الطوفان
الذي غمرنا
حينما تتحدثون عن إخفاقاتنا
تذكروا كذلك
الزمن الحالك
الذي أفلتم منه.
فقد مضينا نبدل بلدا ببلد أكثر مما نبدل حذاء بحذاء.”
هناك مساحة متاحة توفرها لنا نصوص برشت المسرحية في أن تختار بين افضل الاشياء.