19 ديسمبر، 2024 1:38 ص

اليوتوبيا قاموسيا، تعني: “الأرض التي لا أمراض ولا حزن ولا جوع ولا عداوة فيها” وفي جغرافيا الأساطير، تقع على جزيرة “دلمون” التي تعد جنة مفقودة من الارض.. وإذا ظهرت يوما، فيتوقعونها “البحرين” الحالية.

لكن معنى اليوتوبيا في أمنيات العراقيين، هو كف السياسيين عن الفساد وإنجلاء المظاهر المسلحة، سلام يوم نتأمل فيه حياتنا ونخطط لمستقبل أولادنا بإطمئنان.

تلك الأمنيات الشخصية، بمجموعها، تصهر في إرادة شعب، عانى الإعتقالات والتعذيب والحروب والثورات، والأزمات المفتعلة من الحكومات المتعاقبة عليه، وعانى حصار التسعينيات الذي أرمض العظم وعرق اللحم وجفف الضرع و”أوجر” بالأطفال والنساء والشيوخ، وعطل مشاريع الشباب المتطلعين لتطوير ذواتهم، حتى تسربت أعمارهم من بين الأصابع منفلتة من قبضة الزمن الى الهباء.

تلك الأمنيات تصب في نسق قانوني يحمي إرادة المواطن ويعزز صرح سعادته، في وطن كريم، يتمتع أبناؤه بثرواتهم.. “سلاما حتى مطلع الفجر”.

الحصار سلمنا الى إحتلال عسكري، جاء بمجموعة مستحضراته التكميلية.. الإرهاب والطائفية والقاعدة ثم داعش والسيارات المفخخة واللاصقات المتفجرة والإغتيال بالمسدسات الكاتمة للصوت والأنفاس، والمخدرات وتشظي قرار الدولة بين فئات حزبية وعرقية ودينية و… الحبل على الغارب.

إنفلات من دون قانون يؤطر المظاهر المسلحة في الشارع، كيف يحد من إنتشار السلاح والجيش يدير المدن، منتشرا على شكل سيطرات كارثية، بالقياسات الحضارية للمدينة؛ فلا يمكن ان يعد العراق مدنيا والجيش منتشر في الشوارع!

 

عصا سحرية

لو أرادها الشعب “يوتوبيا” بعصا سحرية، فالساسة قادرون؛ بمجرد ان يكفوا فسادهم عن المال العام، ويسنوا تشريعات منصفة، توازن رواتبهم ومخصصاتهم ومنافعهم الشخصية ورواتب حماياتهم الوهمية و… مع دخل المواطن، قياسا بغلاء المعيشة، ويتجهون الى البناء والتعمير وتحقق سبل الرفاه، للشعب، ولا صلاحية لغير الدستور على المال العام!.

تحدد حماية السلوك المديني في الأماكن العامة، بشرطة ذوي زي سياحي، وليس “خاكي” مدجج بالسلاح، إنما هراوة ومسدس غير ظاهرين للعيان.. بل الشرطي نفسه بزيه السياحي المتسق مع جمال المكان، يتوارى كي لا يشعر المواطن بإحتمال خطر قد يداهمه؛ فأوجد الشرطي!

يتوارى على الرغم من كونه معطر بالسلام، وليس مدججا بالسلاح!

هل يمكن بلوغ هذا المستوى من الأريحية؟ إذن اليوتوبيا إجرائيا نوع من الأريحية يكفلها الدستور ويتنسمها الناس، مثل عطر ينبعث من خفقة مرور حسناء تهفو بالقرب من شاب وسيم.. أو مذاق العسل على الشفاه.. تلك هي اليوتوبيا.. لا عسكر في المدن، ولا طبيب يتكاسل أو عامل بلدي يسهو ولا عابر سبيل يلقي نفايات خارج حاوية الأزبال.. يحمل الشرطي عصا لتأديب الجانح، لا لإهانته او التنكيل به؛ إنما إتقاء هفوة قد تستفز الآخرين، يعني الشرطي، كمثل المسؤول.. حامٍ لسعادة المجتمع، من طائشين يسيئون التفاهم مع المحيطين بهم في المقهى او الباص او دائرة او أثناء السياقة في الشارع.

 

هيبة الدولة

إستعادة هيبة الدولة واحدة من أهم مقومات “اليوتوبيا” وهي التي تغني الشرطي عن السلاح الفتاك، وتكفيه العصا، في تقويم “المايلة”.. تتجسد هيبة الدولة بشرطي بسيط، لا يحمل سوى “صوندة” وأمر إلقاء القبض على مجرم عتي، ينقاد له، خضوعا لهيبة الدولة.

هل تعمل الحكومات الراهنة على إعادة الهيبة للدولة بالحق!؟ علامات شك مثيرة، تحيط بالسؤال الفاغر فاه، من دون إجابة!

فالهيبة تحقق دولة اليوتوبيا من دون سلاح ولا عنف في الحد الأدنى من التعامل مع المجرمين، وسوقهم بإتجاه الإنتظام في المسار الإيجابي للمجتمع، ومن شذ عن سواء السبيل، فمريض.. مكانه المستشفى وليس السجن ذا الدهاليز المعتمة وغرف التعذيب الظلماء؛ ما يجعل الشرطة عناصر سياحية وليس ضراوة أمنية، إلا عندما تلزمهم مصلحة المجموع، بإستخدام القوة؛ إتقاء تهكتك أفراد.

وكما يقول المثل: “النار بفلوس والجنة بلاش” فإن بلوغ المستوى الحضاري الراقي، تحليقا في فضاءات “جنة على الأرض” في العراق، لا تتطلب إلا إنسجام الود، بين الحكومة والشعب، تحت ظل قانون لا يخترق من أية جهة متنفذة…

وبهذا تتحقق وفورات حلال، يعيش بها الجميع، من دون ان يكنز المتنفذ ملا يقتطعه من فم فقير جائع.

أحدث المقالات

أحدث المقالات