يالتنشد على الحال الحالة هي وبسبع صابونات غسلت اديه من بيت الدارمي هذا، ينطلق معظم العراقيين بالشكوى من استمرار حالهم بالتردي والنكوص، ولو طرحنا سنين حكم النظام البعثي، وأهملناها من الحسبان، فإن للسنوات التي أعقبت زواله مذاقا لاأظنه يختلف عن مذاقها، وقطعا لم يتأتّ هذا المذاق إلا من المتسلطين على كراسي الحكم في مواقع صنع القرار والتحكم به في عراقنا الجديد. ولطول المدة من تسنمهم أمر البلاد الى اليوم، لم تعد الأنماط الكلاسيكية لاجتماعاتهم وتقيؤاتهم فيها جديدة على العراقيين، ولم يعد مستغربا ما تثمره تلكم الاجتماعات -إن أثمرت- وماتطرحه من نتاجات تكاد تكون عقيمة، او ليس لها التأثير الذي كان يتمناه المواطن المثقل بجراحات الأنظمة التي تعاقبت على حكمه. فقد تعودنا جميعا على مواقف بعض أعضاء مجلس النواب مثلا -فضلا عن رئيسه- التي تتكرر دوما، حتى باتت سمة من سماتهم، وأصبحنا نعزي أية مشاكسة تحدث تحت قبة المجلس الى زيد وعبيد من الجمع الذي يحضر الاجتماع، حتى وإن كان غائبا. الأمر الذي يذكرنا بمسلسل تحت موسى الحلاق وتحديدا (عبوسي) المشاكس في صفه، إذ كانت تعلق على شماعته فوضى الصف حتى وهو غائب. وهو حال مجلسنا الذي تتراوح أغلب اجتماعاته بين التأجيل والتأجيج، وفي الحالتين هناك تأخير ليس هذا أوانه، ولايخدم العملية السياسية، ولا البلد ولا المواطن، ويبقى المستفيد الوحيد من كل هذا التلكؤ والتأخير، هو الذي يعزف على وتر جراحات الشعب ومصائبه، وضياعه بين شظف العيش وغول الفساد بأنواعه، وتردي الأوضاع الأمنية والبنى التحتية والخدماتية. فهل وضع هؤلاء سقفا زمنيا ليكفوا تسويفهم بالوقت وتلاعبهم بمصائر الملايين؟ أم أن سباقهم الماراثوني جارٍ على قدم وساق الى إشعار غير مسمى! وهل هم عالمون ان كل متسابق له من النتائج اثنتان لاغيرهما، فإما النجاح وإما الخسارة، إلا سباقهم فجميعهم لن يحصدوا غير الخسارة والخذلان. أما الخسارة فهي من رصيدهم مع الناس الذين وضعوا ثقتهم فيهم، وأما الخذلان فان نصيبهم منه مزدوج، إذ هو في الدنيا حيث لم يفوا بوعودهم للعراقيين وخذلوا الأصابع البنفسجية الشريفة، وفي الآخرة حيث حنثوا بقسَمهم في أداء واجبهم الوطني والإنساني، وابتعدوا عن شريعة السماء والأنبياء والأولياء بوجوب الحسنى بالرعية.
اليوم يعيش العراقيون مع نشرات الأخبار وما يتجدد فيها من أحداث ومآس صنعها لهم باتقان واصرار نفر من الدخلاء على السياسة والقيادة، إذ هم لايفقهون شيئا غير معارضة أي قرار أو قانون في مراحل قراءاته جميعها، ويسعَون دوما الى إثارة الغبار بغية تعكير أجواء فضاء العراق الجديد قدر مااستطاعوا. إن في اجتماعات مجلس برلماننا الذي تنتظر قراراته أفواه فاغرة طالها العوز، صدق وجدية من قبل بعض الكتل في تقديم الأفضل من خلال قراءة القوانين وبلورتها وإقرارها، بما يصب في خدمة العراق والعراقيين، لكن المؤلم أن يكون هناك تلكؤ متعمد من أغلب الكتل والأحزاب، باتخاذها موقفا أقل مايوصف به ما أشار له مثلنا الشعبي القائل: (لو ألعب لو أخربط الملعب) موظفين بذلك كل اهتماماتهم وطاقاتهم للوقوف ضد ثلاثين مليون عراقي، ليس لإبقائهم في مكانهم (محلك راوح) فحسب، بل للرجوع بهم (للخلف در) الى مربع ماقبل الأول، حيث الدكتاتورية والحزب الواحد والقائد الأوحد، ليحلو لهم العيث فسادا بمقدرات البلد وخيراته التي دأبت تبعثرها الحكومات السابقة واللاحقة على حد سواء.