الصمت يغزو العالم بعد صلاة الظهر، ليوم العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، وفي بقعة من كربلاء، حيث الحرية الحمراء، تطلق صرختها بقمة شموخها: هيهات منا الذلة فأي كبد للرسول فريتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟
إعداد النفس المؤمنة الراضية، في ضوء منهاج ثورة الإمام الحسين، يتطلب إستحضاراً للعَبرة والعِبرة في وقت واحد، ليسجل الأنسان موقفاً حقيقياً، غير قابل للمقايضة فأنت حسيني الفعل والقول، والحرارة التي لا تظمئ في داخلك، دليل عشقك لأبي الأحرار (عليه السلام)!
ركضة طويريج الخالدة، طقس ديني مقدس لزوار العاشر من محرم، يوم إستشهاد الإمام الحسين عليه السلام، إنها العقول، والقلوب، والضمائر، كلها تركض نحو الجسد الطاهر المضرج بالدماء، لتنظر نوره الثاقب الى السماء السابعة، ولتندب واقعته الأليمة، التي هزت العالم بأسره!
إستجابة أسس لها لتكون رمزاً، يؤرخ نصرة الشيعة لأبي الأحرار والشهداء، حين أطلق صيحته، ألا من ناصر ينصرني؟ فجاءت الملايين لتلبي النداء، بوقت قرر الباريء عز وجل، اللقاء بسبط المصطفى، بعد ظهيرة حرى، وقلوب عطشى، ونساء بلا معين أو رجوى!
مسيرة عزاء مليونية عالمية، تروي ملحمة الصمود والتحدي، وثورة سكنت فيها الأنفاس، وسكتت الأجراس، وعرج بالرأس الشريف عالياً، وكأن العليم الحكيم ما خلق الإنس والجن، إلا ليركضوا نحو سيد الشهداء، حيث كتب عنه في يمين العرش، (مصباح الهدى وسفينة النجاة).
جحافل المجد والحرية، قدمت كالسيول لركضة طويريج، لتصدح لا يوم كيومك يا أبا الأحرار، ولنواسي عقيلة الطالبين، الحوراء زينب عليها السلام، التي تكفلت بالأطفال والثكالى، بعد إستشهاد حامل لواء البيت العلوي، أبي الفضل العباس عليه السلام، فطوبى لمن ركض وواسى!
إن جميع الزائرين المتوجهين، في ركضة طويريج، يحلمون بأن يكونوا ممن تسجل أسماءهم، في خدمة الثورة الحسينية، ليكون لهم قدم صدق عند مليك مقتدر، بجوار أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام، ففي الركضة يتحرك كل شيء للحسين!
ركضة طويريج تُرسل رسالة للعالم أجمعه، وتنادي الحسين مدرسة متكاملة في كل شيء، فهو إسطورة خالدة للشهادة، من أجل الدين والمقدسات، إنه ثورة ضد الطغيان والفساد، لأنها إنتفاضة الإصلاح، والحق على الباطل، إنها ركضة نحو الجنة، فيا ليتنا كنا معهم!
منذ أن أقيمت الشعائر، في 1303 للهجرة في مدينة الحلة، أنتجت مسيرة طويريج، ثقافة الرفض الحسيني لحكم الطاغية، ورسخت أركان الإسلام في نفوس المسلمين، وزادته قوة وتأثيراً، فالدماء الطاهرة التي طافت حولها السيوف، باتت شموساً للحرية، تضيء الدرب لأنصار الحسين!