تستطيع أن تعيش بطريقتين:
إما أن تعيش كشخص موجه من قبل الدماغ:عندئذ ستنجح في العالم الخارجي، وتكدس ثروة كبيرة، هيبة في شهادة دراسية، سلطة في سياسة، وتكون في نظر العالم هرما يقتدى بك، او مستقرا من فوق صلبا تحيط بك الاسوار والحراسات المشددة ذات الانذار 100% ، إنما من الداخل ستكون فاشلا تماما. الإنسان الموجه من قبل الرأس لا يمكنه الولوج الى الباطن على الاطلاق، ذلك أن الرأس يتحرك نحو الخارج، هو منفتح نحو الجهة الأخرى.
أو تعيش كشخص موجه من قبل القلب: فتصبح رجل دين متزمت فقط.
المستثنى في حديثي السوبر مان، والإنسان الأوسط: إنه إنسان لا يكترث من أين يأتي هذا الكون، والى أين ينتهي. كما اعتقد، هو الإنسان الذي لا يسأل أية اسئلة ، فالوجود قائم، وحدهم الحمقى من يتسائلون من أين يأتي الكون؟ وبدلا من ذلك فإنه يبدأ الحياة في كل لحظة.
إن تحطيم تلك الجدران التي هي في الحقيقة ليست مصنوعة من الحجارة، بل من الأفكار، إذ ليس هناك ما هو اصلب من الفكر المتحجر الديني الذي يظهر على سطح مجتمعنا العراقي والذي يتبناه رجال دين غير معتمدين من مرجعياتها العلمية، لأنه مصنوع من المعتقدات، والكتب المقدسة المؤلفة من قبل اشخاص أو فتاوى مدمرة، التي تحيط بنا من كل جانب، ونحملها معنا اينما نذهب، إنك سجين ما تحمله معك، سجنك هو رقبتك، فكيف تحطمه؟.
بث تولستوي افكار عديدة في ثنايا قصصه. انتقد فيها مكونات أو نكرات تدير الشعوب. وصل الامر الى انتقاد رجال الكنيسة في قصصه القصيرة خاصة في روسيا. من هذه الافكار التي وردت في قصصه واعتقد ان القارئ يعرف ذلك لكنني اسلط الضوء عليها في هذا الوقت الصعب، حتى لاتغيب عن بال القراء الكرام موضوعات في النقد الاجتماعي للسلوك البشري الذي يعتبر التابو خطا احمرا. خلاصة الفكرة؛ إن كان عليك أن تكون ممكيجا، حتى مع الله، فمع من ستكون طبيعيا، وحقيقيا، واصيلا وبسيطا يا بني آدم؟.
كانت هناك قصة فلكلورية من افكار تولستوي العظيم تدور حول حمقى ثلاثة.
في إحدى بقاع روسيا، كانت توجد بحيرة. انتشر خبرها بسبب ثلاثة قديسين. الناس بالآلاف يقومون برحلات اليها لرؤيتهم.
كبير الكهنة في البلاد، غدا خائفا على مستقبله. إذ لم يكن قد سمع بهم واخبار معجزاتهم تصل اليه ولم يعتمدوا من قبل مرجع الكنيسة، فمن الذي جعل منهم قديسين؟ حيث كانت الكنيسة تمنح شهادة قديس.
اضطر الكاهن الذهاب ومعاينة الوضع بنفسه. ركب في زورق الى الجزيرة حيث يعيش أولئك. لقد كانوا فقراء بلهاء، لكنهم سعداء، هكذا ظنهم. يجلسون تحت شجرة، يضحكون، مستمتعين. ما إن رأوا الكاهن حتى خروا ساجدين.
اراد اختبارهم في كيفية الصلاة، حاله حال رجال الدين في الديانات الأخرى. نظر كل واحد منهم الى الآخر، ثم قالوا: نأسف ياسيدي نحن لا نعرف صلاة الكنيسة لأننا جهلاء. غير أننا ابتكرنا صلاة بسيطة خاصة بنا لعل الله يقبلها. فكما تعلم، إن الله في المسيحية يرمز له بالثالوث المقدس؛ الأب، الأبن، الروح القدس. ها نحن ثلاثة ايضا. لذلك، قررنا أن نصلي على الشكل التالي: يارب، أنت ثالوث، ونحن ثلاثة، فارحمنا.
استشاط الكاهن غضبا، هذه ليست صلاة. خروا ساجدين عند قدميه قائلين، علمنا الصلاة. تلا عليهم الصيغة المعتمدة من قبل مراجع الكنيسة الروسية. كانت طويلة ومعقدة، ذات كلمات طنانة ورنانة، تسبقها حركات معينة، انها عليهم صلاة مستحيلة، وباب الجنة مغلقة في وجههم.
ثم قرأها عليهم مجددا، قالوا: اننا سننسى. شكروه، وقد بات على وجهه الرضا، ذلك أنه قام بمأثرة عظيمة بإعادة ثلاثة حمقى الى صراط الكنيسة.
ركب الكاهن العتيد زورقه عائدا. في وسط البحيرة، لم يصدق ما رأته عيناه. يا للهول..أولئك الحمقى الثلاثة، يركضون على سطح الماء وهم يصرخون: مهلا، مرة اخرى، لقد نسيناها !.
كان امرا يستحيل تصديقه ! فعندما وصلوا: خر الكاهن ساجدا عند اقدامهم، قائلا: اغفروا لي، وعودوا الى صلاتكم البسيطة.