مقترح رحيل الاسد
يفتقد العراق وكذلك اغلب الدول العربية الى المحلل السياسي الفطن او الذكي او الخبير بالرغم من كثرة البرامج السياسية التي تقدمها جميع القنوات الفضائية تقريبا بعد٢٠٠٣..
هالاسبابناك بالطبع عدة اسباب منها يتعلق بطبيعة الانظمة التي لاتعير اهمية لتلك الضرورة المؤثرة في صياغة المفاهيم واتخاذ القرارات المحلي والاقليمي والدولي،من هذه الاسباب هي عدم معرفة طبيعة السياسة الدولية الاستراتيجية(من لايتابع الاعلام والثقافة الغربية لايمكنه ان يصبح محلل سياسي محلي او دولي ناجح)….انظروا جميع المحللين السياسيين الذين تحدثوا عن ترامب قبل اعلانه قائمة الدول الممنوعة دخول مواطنيها للولايات المتحدة الامريكية ثم الضربة السورية الاخيرة….
على سبيل المثال لا الحصر :نحن اول محلل سياسي قال عبارة”مرحلة ترامب ستكون اسوء من مرحلة بوش الابن”هذه ليست ميزة او قراءة شخصية للمستقبل،انما هذا واقع تعرفه اغلب دوائر التحليل السياسي في العالم،
لكن ماحصل في العراق كان صادما، فالمحللين السياسيين اعطوا صورة معكوسة عن ترامب ،مما اثرت سلبا حتى على رئيس الوزراء العراقي الذي قال ان ال سعود لايدعمون الارهاب، وفتح ارض الوطن للامريكان تحت عنوان المستشارين…
هذه المقدمة لها صلة بماقيل على لسان السيد مقتدى الصدر حول مقترح تنحي الاسد عن الحكم.فالسيد الجليل اعترف اكثر من مرة انه
يكره السياسة، وليس لديه خبرة فيها ولايميل اليها…يمكن ان نسأل سؤال بصيغة مختلفة
لماذا يصر الخليج والامريكان واورباعلى رحيل الاسد؟
هل فعلا يريدون تغيير قمة هرم السلطة فقط، ام انهم يريدون تنفيذ مشروع الدولة الفاشلة(كالصومال وافغانستان وليبيا ولبنان والعراق وكذلك اليمن )تحت شعار الدولة الديمقراطية الممثلة لجميع المكونات العرقية والاثنية والطائفية والمناطقية،
هذا المشروع الشيطاني المتكامل الذي يبدأ بتغيير قمة هرم السلطة والدائرة السياسية القريبة منه،ثم حل الجيش والاجهزة الامنية ،تهريب الاسلحة الى الجماعات المسلحة،وانتشار السلاح في الشارع،ودخول اجهزة المخابرات الشيطانية التي ستقوم بعملية تصفية شاملة للنخب والكفاءات ،واشاعة ظاهرة الفساد المالي والاداري والسياسي،ومن ثم ادخال الممنوعات والمخدرات الخ.
اما اذا كانت نيتهم بالفعل تغيير رأس السلطة فقط، فهذا امر بسيط جدا،بل هو ماتعمل عليه روسيا بقوة منذ اكثر من سنة،وماتفعله حاليا من ادارة مفاوضات استانة(وقبلها جنيف واحد واثنين الخ.) بين المعارضة والنظام السوري،لكن ماحصل من مسرحية الضربة الكيمائية في خان شيخون ،وما اعقبه من رد سريع يخالف القوانين والاعراف والطرق الدولية في التحقيق المستقل بمثل تلك الحالات البشعة،قلب المعادلة واعاد الامور الى المربع الاول،
كل تلك المناوشات والمواجهات الشبه مباشرة بين محور ترامب، ومحور بوتين،اضافة الى حجم المأساة والدمار الهائل الذي لحق بالشعب والبنى التحتية السورية،لاتعطي اي انطباع ايجابي لمن يصر على رحيل الاسد،انماهي مؤشرات صناعة مشروع الدولة الفاشلة بعد رحيل النظام السوري عن السلطة،حتى تكتمل قوة الهيمنة المطلقة لاسراىيل على الدول العربية،ومن بعدها المقاومة اللبنانية وايران، صعودا الى حدود روسيا والصين(وكوريا الشمالية)،
تصريح او بيان السيد مقتدى الصدر يحمل تناقضا واضحا لم يكن مقصود من قبله كما نعتقد،اي ان بيانه ادان التدخل والضربة الامريكية في سوريا،وكذلك طالب بتنحي الاسد عن السلطة وهي مطالب امريكية بأمتياز(ومطالب الدواعش العرب)،ولعلي اجد من الضروري استعارة ماقلناه من قبل في عدة مقالات سابقة، من ان الادبيات الدينية الشعبية للتيار الصدري تقول بأن بشار الاسد سيسقط،وسيصل داعش الى بغداد،وستسقط ايران وروسيا،هكذا سمعنا من اخبار التنجيم واستحضار الروايات المشكوك بصحتها من قبلهم(السفياني واليماني والاصهب والرايات السود الخ.)،اذ ليس منطقيا ان يطالب اي شيعي من سوريا ان تغير نظامها او رئيسها ،وهم يدافعون ببسالة عن اهم عمق استراتيجي يحمي الظهر الشيعي العراقي والايراني (وحتى الروسي )،ويصد هجمات الارهاب الداعشي دون ضمانات بعدم انهيار الدولة بعدها،وهو يعد ايضا اهم اعمدة محور المقاومة امام الطموحات الاسرائيلية بأبتلاع الاراضي الفلسطينية والعربية،ولمنع فرض اجندات جغرافية تاريخية مزيفة وامنية واقتصادية وتجارية مذلة للعرب،من الممكن ان يبدي الانسان رأيه بحرية، لكن لايمكنه فرضه على الاخرين او جعله هو الخيار الوحيد المتاح،قطعا لايمكننا التنبأ بما قصده السيد الصدر بطلب رحيل الاسد عن السلطة،مع ان الاعلام المأجور استخدم بيانه للترويج على ان الرأي العربي المساند لرؤية الحل في سوريا بدون الاسد ليس سنيا
طائفيا،وانما هناك قوى شيعية مؤثرة في العراق ايدت ذلك ايضا،لكن بالتأكيد انه قصد رحيل الاسد بوجود ضمانات بقاء الدولة، وعدم انهيارها وتسليمها للارهاب بغية تقسيمها لعدة دويلات،مما سينعكس سلبا على دول جميع المنطقة دون استثناء بما فيها دول الخليج.
لقد خرجت مصر من المصير المدمر الذي خططت له الدوائر الخبيثة عربيا واقليميا ودوليا (كالذي حصل في العراق ولازال يحصل في ليبيا او وسوريا واليمن) بأستعادة السلطة من قبل الجيش المدعوم بقوة شعبيا ودستوريا ،والا لكانت مصر على ابواب التقسيم والارهاب، ومتورطة بفتنة مشروع الدولة الفاشلة،
والا لماذا يستهدف الارهاب المسيحيين فيها،وذلك لخلق فتنة دولة الطوائف والاثنيات،فقد سمعنا من قبل دعوات بعض الجهلة او المتأثرين بالحوادث الارهابية الموجهة للاقليات ومنها المسيحية ،بأنهم يطلبون حماية دولية لهم في بلادهم….
من الممكن ان تطلب رحيل الاسد لكن شرط ان يبقى الجيش والاجهزة الامنية دون تغيير او حل،وهذا لاتوجد له اية ضمانات موثقة يمكن القبول بها،فالضمانة الوحيدة لاعادة بناء سوريا سياسيا وامنيا واجتماعيا واقتصاديا ،هو القضاء على الارهاب،والاستمرار بالحوار المباشر بين المعارضة السورية السلمية وبين النظام السوري،وفق مراحل متسلسلة يتفق عليها الطرفين،منها كتابة دستور دائم للبلاد،والاستعداد لاجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية…..الخ.
التحليل والاستشارة السياسية او لاي مجال اخر،لابد ان تقدم وفق رؤيا مستندة على ادلة ووقائع واستنتاجات نسبية،كي لاتصبح وبالا وسبفا مسلطا على اصحابه،ومن بعده ينتشر ضرره في محيط مؤيديه والمتابعين له،الذكاء الرياضي(اي التحليل الرياضي الحسابي او الهندسي)في جميع انواع التحليلات كلا حسب اختصاصه،اي الرأي لابد ان يخضع لمبدأ الحسابات الانية والمستقبلية(حسابات السلب والايجاب،المصلحة والمنفعة والضرر)،ولهذا ليس صحيحا ان تكون نتاىج التحليلات مستعجلة ،وبالتالي تظهرفيما بعد انها كانت تماما عكس الواقع،بل كانت كارثة لانها اعطت رأيا مخالفا تماما لما حدث وسيحدث…
هي مهنة معقدة (مهنة التحليل وتقديم الاستشارةالسياسية او الاستشارات عموما في مختلف المجالات)وخصوصا ان ماحدث بعد احداث١١سبتمبر في الولايات المتحدةالامريكية٢٠٠١،ومن ثم اعلان حالة الحرب الشاملة على مايسمى بمحور الشر(من ليس معنا فهو مع محور الشر)في العراق وافغانستان،واندلاع احداث الربيع العربي(ومشروع الشرق الاوسط الجديد)،اتضح ان اللعبة السياسية الجديدة هي اسلوب التناقض السياسي(ضد ومع الارهاب)،اي اشاعة اسلوب جديد يعتمد مبدأ التناقض في التصريحات والافعال لاخفاء النيات الحقيقية،تارة تجده سيقضي على الارهاب،وتارة تجده يدعمه مجددا،اخبث الاساليب الشيطانية المراوغة والمموهة للرأي العام،نقلت العالم في القرن الحالي الى مديات ومستويات خطيرة في التعامل مع الازمات الكوارث والحروب….فعندما يصبح سوق السلاح الثقيل والمحرم دوليا سوقا رماديا ،سوف لن تحتاج المنظمات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة للاسواق السوداء لشراء اسلحتها ،مادام هناك سوقا رائجا بينهما