23 نوفمبر، 2024 4:45 ص
Search
Close this search box.

برغم بشاعة ما تعرض له الايزيديون الا ان موارد الصحة النفسية التي يحضون بها لا تزال محدودة

برغم بشاعة ما تعرض له الايزيديون الا ان موارد الصحة النفسية التي يحضون بها لا تزال محدودة

بقلم دومينيك سوغول “جريدة كرستيان ساينس مونيتور”

تحملت العوائل الايزيدية لاسيما النساء من بنات هذه الاقلية الدينية، تحملوا عبئا نفسيا كبيرا جراء فضائع تنظيم داعش، غير ان المشورة النفسية التي يحتاجون اليها لا تزال محدودة وقليلة.
لم تتخيل علياء انها يمكن ان تنجوا بنفسها يوما بعد ما حصل. لقد تناوب عليها جهاديو داعش يوما بعد يوم، حيث اتخذوها زوجة او سبية حتى دفعها ذلك الى محاولة انهاء حياتها بالانتحار.

لكن محاولات انتحارها الثلاث بائت كلها بالفشل. واليوم، تحمل هذه الفتاة اثارا وندوبا نفسية عميقة ستدوم اشهرا ان لم يكن سنينا، الامر الذي يستوجب معالجتها نفسيا بعلاجات مستمرة وخاصة وجها لوجه في ظروف مختلفة على امل ان تتحسن يوما. لكن بالنسبة لامرأة ايزيدية تعيش في مخيم لإيواء النازحين، فأن رعاية من هذا النوع تمثل ترفا كبيرا لا يمكن تحمل كلفته الباهظة.

تستذكر علياء التي كانت تسكن احدى قرى جبل سنجار وتعمل صاحبة صالون تجميل نسائي هناك عن محنة بقاءها تحت سطوة داعش لما يقرب من عام كامل قائلة “كان كل واحد منهم اسوء من الاخر.” وتضيف كذلك “لقد تزوجني جميعهم رغما عني، حيث كانت ردة فعلي تجاه ذلك ان قررت الانتحار.”

كانت محاولتها الاولى للانتحار بعد سبيها واساءة مقاتل كردي من داعش لها حيث حاولت ابتلاع جرعة كبيرة من حبوب الدواء التي تمكنت من الحصول عليها. اما المحاولة الثانية، فقد كانت بعد ان تم بيعها الى جهادي ليبي انهى حياته بعملية تفجير انتحاري، حيث حاولت علياء الانتحار عبر قذف نفسها عبر الشرفة لتقع على الارض وتكسر رجلها. بعد ذلك، وحينما كانت تحت سيطرة جهادي الماني، حاولت علياء الانتحار عبر صعق نفسها بالكهرباء اثناء وجودها بالحمام. وقد فشلت كل محاولاتها تلك.

لكن برغم ذلك، تعد علياء واحدة من المحظوظات القلائل اللواتي تمكن من الهروب من قبضة داعش بمساعدة مهربين. لكن هذه الفتاة الضعيفة ابنة الـ21 ربيعا ما عاد بمقدورها ان تبتسم حتى.

فبمجرد عودتها الى العراق، اكتشفت علياء ان والدها توفي، فيما لا تزال احدى اخواتها تحت قبضة تنظيم داعش. وبعد ان فقدت معيلها، باتت العائلة تعيش في غرفة حقيرة حيث تقتات على الحسنات والمساعدات.

تقول والدة علياء، السيدة مايا التي لا تزال تعيش الم فقدان زوجها الراحل فضلا عن قلقها القاتل على مصير ابنتها الاخرى، تقول معلقة “ان الامر بالغ الصعوبة بالنسبة لنا”. وتضيف كذلك “انني افضل الموت على هذا الحال”.

غير ان شعور والدة علياء ليس بالشيء الغريب في اوساط الايزيديين الذين يعتنقون ديانة سرية قديمة بعد ان اعتبرهم مقاتلو داعش كفارا وحسب. وسواء كان هؤلاء يعيشون في ابنية غير مكتملة او مخيمات مكتظة بالنازحين، فأن حالة هؤلاء العامة تثير الحزن والالم الشديد حيث يبكي وينعى هؤلاء احبائهم الذين راحوا ضحية وحشية داعش اثناء مهاجمته لجبل سنجار شهر آب من العام الماضي 2014، فضلا عن بكائهم على الذين لا يزالون تحت قبضة التنظيم المتطرف، اوانهم يبكون من تمكنّ من الخلاص ولا لازلن تحت وقع الصدمة الاليم الى الان.

في هذه الاثناء، يعاني هؤلاء شحة بالغة في مجال الرعاية الصحية النفسية، حيث لا يوجد هنالك سوى 4 اطباء نفسيين في محافظة دهوك التي تضم معظم نازحي الاقلية الايزيدية الذين استقروا هناك الى جانب اكثر من 400000 من النازحين السوريين والعراقيين الذين فروا جراء العنف.

مساعدات لنقل بعض الايزيديين الى المانيا

في الوقت الذي يحظى فيه معظم الايزيديين بالرعاية الصحية الاساسية بعد هروبهم من قبضة داعش، فأن الواقع يشير الى ان قلة قليلة منهم تلقوا علاجا نفسيا على اساس منتظم. ان المصادر المتوفرة في هذا الخصوص شحيحة الى درجة دفعت مؤسسات مساعدة واغاثة انسانية المانية لتنفيذ جسر جوي لنقل ايزيديين الى المانيا من اجل العلاج. كما ان هذا الكلام يشمل منح النساء حق الاقامة لمدة عامين مع اسكان وتعليم لها ولأطفالها.

عن هذا الموضوع، تعلق الدكتورة آواز عبد الستار، وهي طبيبة نفسية تشرف على مركز الرعاية النفسية للنازحين الايزيديين في محافظة دهوك التابعة لاقليم كردستان العراق، والتي يتلقى مركزها الان تمويلا من منظمة الامم المتحدة، تعلق قائلة “ان الحالات الاكثر شيوعا التي نواجهها هنا تتمثل في الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة والهستيريا.”

كان الجسد النحيل والندوب الداكنة وآثار التعذيب على الجمجمة تروي الكثير من صور التعذيب الذي تعرضت لها نافيدا على يد مقاتلي داعش، وهي امرأة بكماء تمكنت من الافلات من قبضة التنظيم شهر ايلول الماضي. لقد عمد مقاتلو التنظيم الى تعليق جسدها بمروحة سقفية مقتنعين انها كانت تزيف اعاقتها كي لا تؤدي الصلاة كمسلمة. لقد كانت اثرا وعلامات العنف شاهدا حيا على عمق المحنة التي عاشتها هذه المعاقة المسكينة. وقد ترجم احد اقربائها وصفها بأقرب ما يستطيع كي تروي تلك القصة الاليمة.

تقول نافيدا عبر ترجمة قريبها “لقد علقوني بالمروحة السقفية، وكانوا يضربوني برأسي”. وقد رفعت نافيدا يديها لتظهر آثار التعذيب التي تعرضت لها، كما انها رفعت شعرها لتظهر آثار التعذيب على جمجمتها. واضافت نافيدا تقول “لقد كانوا يضربونني بالعصي والاسلحة وهددوا بوضعي على الشارع ودهسي بالسيارة. لقد استمروا بتعذيبي لـ5 اشهر حتى استوعبوا وتقبلوا حقيقة اعاقتي”. وكما هو الحال مع علياء، فأن نافيدا لم تحصل على أي رعاية نفسية متخصصة.

معاناة الاطفال لاستيعاب ما شهدوه

تقول الدكتورة عبد الستار ان اسوء الحالات التي مرت عليها كانت لايزيدية ناجية بعمر الـ9 تعرضت للاغتصاب. وتقول عبد الستار مضيفة “يكمن الجزء الاصعب في كونها لا تستوعب ما حصل لها. انها لا تدرك ما تعنيه العلاقة الزوجية، وما هو الاغتصاب، ولماذا حصل لها ذلك. انها عاجزة كليا عن التعبير عما جرى معها”.

اما السيد جميل شومر الذي يدير فرع منظمة يزدا العراقية، وهي منظمة غير ربحية تهدف لمساعدة الايزيديين، والتي وثقّت شهادات اكثر من 700 منهم، فيقول من جانبه “ان جميع الفتيات من عمر 14 عاما، وحتى ممن كن بعمر 12 عاما، تعرضن للاغتصاب والبيع الى جهاديين عدة اثناء فترة احتجازهن”. ويضيف كذلك “ان من غير اللائق لفتيات تعرضن لذلك ان يعشن في خيم مكتظة بالناس وحسب. انه امر لا يصح البتة”.

كما ان اطفالا آخرين، كما هو الحال مع امهاتهم، يعانون من اجل استيعاب وفهم صور الترويع التي شهدوها”.

يقول فادي، وهو صبي بعمر الـ6 من احدى القرى الايزيدية انه اجبر على خوض تدريب عسكري نظمه مقاتلو داعش تضمن تثقيفا بدأ بذبح 20 صبيا من صبيان الصف ومن ثم فتح النار وقتل 10 آخرين بغية ترويع باقي الصبيان في الصف

واجبارهم على الخضوع. وقد همس فادي بهدوء وهو يضف كيف اغتصب الداعشيون النساء من حوله حيث قال “لقد كان الطبيب اكثرهم شرا حيث كان يبحث دوما عن الفتيات ويأخذهن عنوة”. اما هاديا، شقيقة فادي الاكبر سنا، فقد الزمها والدها بالحفاظ على قصة شعر “ولادية” بغية حمايتها من الاساءة الجنسية.

“انني ابكي 3 مرات في الاسبوع”

اوردت الغالبية الساحقة ممن وثقت منظمة يزدا شهاداتهم انهم تعرضوا الى تعذيب ترواح بين الضرب والعض، ذلك الاسلوب المتكرر الذي ترك عمال الصحة بحالة ارتباك شديد. عن هذا الموضوع، تقول الدكتورة لمى حازم معلقة “لقد قضينا اكثر من عام ونحن نسال انفسنا لماذا كانوا يعضّون؟” وتضيف كذلك “لقد كانوا يضعون النفط الابيض في ماء الاستحمام الذي تستخدمه النساء لغسل وجوههن، فضلا عن قطع زجاج مكسور في طعامهن. لقد كانت هنالك وسائل واسباب كثيرة، غير اننا لم نستطع ايجاد جواب لذلك”.

تقول الدكتورة حازم انه في الوقت الذي برهن بعض الازواج والاقارب عن دعمهم فيما يخص احظار النساء الى المركز، الا ان العديد من العوائق لا تزال تعترض موضوع العلاج النفسي، بما في ذلك الافتقار الى كادر مؤهل. كما ان العديد من النساء يرفضن الخضوع للعلاج فيما لا تزال قريباتهن رهن احتجاز داعش. وعدا عن ذلك، فأن أخريات ليس بمقدورهن تحمل كلفة النقل بغية الوصول الى المركز لتلقي العلاج.

وفي هذا السياق، تقول عروس داعش السابقة علياء معلقة “اتمنى لو انني ارى طبيبا واحصل على العلاج، غير اننا لا نملك المال للوصول الى المركز المتخصص”. وتقول علياء انها تعاني من كوابيس وصداع نصفي وان كانت تخلصت من الافكار الانتحارية التي كانت تراودها سابقا.

وتضيف علياء قائلة “انني ابكي 3 مرات في الاسبوع”. وتختم كلامها قائلة “انني اتذكر صديقاتي اللواتي لا يزلن تحت قبضة داعش. انهم يعانين التعذيب والاغتصاب والضرب كل يوم لان ذلك ما حصل معي انا”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات