23 ديسمبر، 2024 11:16 م

الطف واقعة عظيمة لعقول كبيرة

الطف واقعة عظيمة لعقول كبيرة

أثبت التاريخ لنفسه؛ أنه حلقة تدور وتعيد أحداث ساخنة وتضحيات جسام ومظلوميات ثمنها أجساد بريئة، وأن الواقع نفسه وما متغير سوى المواقع والشخوص، وأن للماضي إرتباط بالحاضر وتمهيد لمستقبل، وسر صراع البشرية؛ وجود أهداف نبيلة لغاية سامية؛ تعرقلها قوى شر تصارعها، على منع نجاح البشر في إختبارها عن سائر المخلوقات.
كان المحك في عاشوراء، وثورة الإصلاح على الفساد، وبالنتيجة اليوم إنتصر الدم على السيف.
تركت واقعة الطف دروس عظمية لا تستوعبها؛ إلاّ عقول كبيرة، ومنها تجلى العطاء والتضحية وخيار الإنسان، بين أن يضحي بما يملك؛ لكي يعبد طريق الأجيال، ويرسم منهج الصلاح وعدم الرضوخ للمغريات والترهيب؛ وإلاّ لكانت الحياة إنصياع للباطل و تعريض حياة الآخرين لخطر، يكون للمتهاون يد فيه.
تكاملت ذروة الصراع البشري، وكشرت الوحوش عن أنياب ضحالة قراءة التاريخ، ولم يعد إلاّ ساعات قليلة حتى ينكشف الصباح، وبين عويل الأطفال والنساء، وعظمة الوقعة على الإمام الحسين عليه السلام، وكيف له ترك بنات الرسول الكريم ؛ بيد شذاذ الآفاق المنحرفين وعشاق الدماء، فذهب الى فريقه الأوفياء، اللذين إختاروا العطاء والمجد.
إن الإمام الحسين عليه السلام، قرر في لحظة؛ إختبار صلابة أصحابه، ومصداقية إراجيز علو الهمة والشكيمة، فخرجت الكلمات من صدر الإمام؛ كحبيب يطالب من حبيبه الفراق وهو عارف بمصيره المحتوم، وأن يكونوا على حُل منه ويغادروا في ظلام الليل، حيث لا يراهم سوى خالقهم وضميرهم، فكان جوابهم: أرواحنا دونك ولك الفداء، وحرباً لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.
في تاسوعاء جفت الأقلام ورفعت الصحف وتجددت البيعة، وثبت من ثبت، ولا ينفع بعد تلك الحظات قول: “ياليتنا كنا معكم”.
خط أصحاب الأمام الحسين عليه السلام؛ منهج مُعبد بالتضحية والإخلاص، ورسموا خطوات أمام السائرين على هدى منهج كربلاء، وإنطلاقاً من ” كل يوم كربلاء وكل أرض عاشوراء”، يعيش العراقيون منذ سنوات كربلاءهم وعاشوراءهم في كل بقعة من بلادهم، وعليهم إثبات هويتهم الحسينية، وإحياء تاسوعاء؛ مشعل للإنارة على منهج النبوة، وإثبات البيعة وتجديد الولاء لإمام مذبوح، ترك خلفه أمة تذبح كل يوم، وأعداء يتبجحون بذبحها، ولكنها ثابتون على منهج إمامهم وقمة القمم، وجبل العطاء، وسيعيد التاريخ نفسه وسينتصر الدم على السيف، ولا عزة للأمة دون فهم منهج الحسين.