19 ديسمبر، 2024 9:56 ص

لماذا ..ومن أجل من ؟

لماذا ..ومن أجل من ؟

بكت عاملة التنظيف بحرقة حين علمت ان هناك مايهدد استمرارها في عملها وستفصل منه بسبب التقشف ، ولكي تكف عن البكاء الذي ارهقها وخوفا عليها من التعرض لنوبة ارتفاع الضغط التي تنتابها غالبا ..حاولت جارتها ان تسري عنها فروت لها كيف اكتشفت من خلال تقرير قرأته في مجلة طبية ان البكاء يطيل العمر ويقاوم آثار الشيخوخة فضحكت وهي تتخيل كيف ستحصل بعدالبكاء على بشرة جميلة وستطول سنوات عمرها اكثر ..في اليوم التالي ، علمت الجارة ان عاملة التنظيف المفصولة مريضة جدا وانها نقلت الى المستشفى لارتفاع شديد في ضغطها ،وحين زارتها قالت المريضة : تم ابلاغي بفصلي من عملي فلم انقطع عن البكاء ليطول عمري اكثر ، واجد عملا آخر اعيش به ..ثم عادت لتتساءل ..لماذا اضحي بعملي ..ومن أجل من !!

مؤخرا ، نشراحد الخيرين دعوة لمساعدة عدد من الجنود المصابين في قتالهم مع داعش ممن فقدوا بصرهم ويحتاجون الى عمليات عديدة وباهظة الثمن في خارج العراق ليتمكنوا من مواصلة العيش (عميانا ) فالعمليات لن تعيد لهم بصرهم بل تنظف لهم المناطق المصابة من الشظايا التي قد تسمم اجسادهم وتعمل على قلع العين المصابة وتجميل المنطقة فقط بعين صناعية !!

ذكرني الخبر بزيارتنا الى مستشفى الرشيد العسكري خلال دراستنا الجامعية لنهدي بعض جرحى الحرب العراقية –الايرانية زهورا ..كنا مزهوين بشبابنا وقطعنا الطريق الى المستشفى نمزح ونضحك ، وهناك ، سمعنا صوتا يصرخ بحرقة :” اريد ان اموت ” ..كان شابا تم قلع عينه المصابة بعد ان فقد ساقه قبلها وكان لديه خطيبة تنتظره واختصاصا هندسيا ينوي ممارسته بعد مغاردته الجيش …حاولنا ان نستجمع كل مالدينا من

شجاعة ولباقة لنهون عليه مصيبته لكنه كان يعود ليسألنا :” ماذنبي ..لم اعيش حياتي معاقا وهل ستوافق خطيبتي على الاستمرار معي وكيف سامارس اختصاصي الذي احب ؟..”في تلك اللحظات العصيبة ، دخلت امرأة متشحة بالسواد واقتربت من الشاب المصاب وقالت له بحنان: ” هل تتسابق معي ” ؟..أدهشنا سؤالها وهدأ الشاب ليعرف ماتقصد فعادت لتقول : “هل نتسابق أي منا اكثر ألما ؟…انت فقدت ساقا وعينا وانا فقدت اولادي الثلاثة في يوم واحد وهاانا ازور رابعهم المصاب في المستشفى واذا كنت تتمنى الموت فأنا مت منذ ان غابت وجوه احبتي الى الابد …” …صمتنا جميعا حين خيم شبح الموت فوقنا والغريب ان الشاب صمت ايضا وظل ينظر الى المرأة بعينه الوحيدة السليمة بذهول ..وحين خرجت وهي تبتسم له بحنان وتقول : ” لقد غلبتك ..أليس كذلك ” تصورنا انه سيصبر على مصيبته كماطلبت منه لكنه عاد ليتساءل بحرقة :” لماذا ..ومن أجل من ؟”

اليوم ، نتسابق جميعا في مباريات الالم وكل منا يحمل ألما من نوع خاص فهناك من فقد احبته ومن فقد عضوا من اعضائه وهناك من فقد املاكه او عمله لكننا جميعا نعجز عن الصبر ليس جزعا بل لأن سؤالا يظل يطاردنا ويمنعنا من تقبل آلامنا :” لماذا ومن أجل من نفقد اعز مانملك ..من اجل حفنة من رجال السياسة الفاسدين وبسبب حماقاتهم ؟..انهم لايستحقون ذلك ولن تخدعنا ذرائعهم بأننا نفقد كل شيء من أجل الوطن …اننا نضحي من أجل استمرارهم ورخائهم بينما الوطن مثلنا صار يفقد اعضائه تدرجيا وغدا معاقا ويتساءل بحرقة :” لماذا ..ومن أجل من ؟”

أحدث المقالات

أحدث المقالات