17 نوفمبر، 2024 4:19 م
Search
Close this search box.

رابعة العدوية

بين سيرة حياة غوتاما بوذا الحكيم المعروف وسيرة المتصوفة المسلمة الشهيرة رابعة العدوية أوجه تشابه كثيرة ، فكلا منهما عاش مرحلة من حياته منغمسا بمختلف أصناف الملذات وعرف شتى أنواع الشهوات ، فبوذا كان قد ولد لأب هو حاكم مقاطعة في شمال الهند وقد حاول والده جاهدا أن يجعله وريثا له ولذلك أراد أن يبعده عن طريق الرهبنة والزهد فعمل ومنذ طفولته إلى أن يوفر لأبنه كل ما لذ وطاب من ملذات الحياة ومتعها من جنس وطعام وغيره ولكن فات ذلك الوالد بأن أبنه كان سيصل على ذلك المنوال وبتلك الوتيرة إلى السأم من كل ذلك وهو ما وصل إليه فعلا ، ومع نضوجه كان قد خرج ليرى العالم وليكتشف أشياءا أخرى غير المتع والشهوات التي عرفها في قصر والده كالمرض والفقر والموت وغيرها ،
ولأن الشيء وكما يقال إن زاد عن حده انقلب إلى ضده فقد تحول الشاب بوذا وبعد تأمل طويل وتفكر عميق الى حياة الزهد والتقشف وسلك طريق الرهبنة ورأى أن فيها السبيل الوحيد لخلاص الأنسان من الالام والعذاب وذلك وفقا لرؤيته الخاصة وكمحصلة لتجربته الشخصية في الحياة ،
وكذلك الامر بالنسبة لرابعة والتي ولدت فقيرة ولكن جمالها قادها إلى حياة زاخرة بالملذات فرأت تلك الشابة – والتي كان قد مرت بظروف خاصة – في تلك الملذات غايتها القصوى وسعادتها العظمى حتى أذا ما أستيقضت فجأة على فكرة أن المال والجمال لابد وأن يزول في يوم ما فلجأت لحياة الزهد والعبادة والتقشف ، وقد حاول البعض أن يصور رابعة على أنها لم تسلك يوما طريق الخطيئة والمجون وهذا ما يتنافى مع سيرة حياتها وسلوكها طريق الزهد في آخر المطاف فهل يمكن أن تكون قد وصلت إلى تلك الدرجة من الزهد والتبصر مالم تكن قد مرت بمراحل من الترف والمجون والضياع ؟ ،
والمثير للأمر بأن رابعة لم تزهد في الدنيا فحسب بعد أنها بعد ذلك قد وصل الى حالة من الزهد والأنقطاع عن الدنيا بعد تفكر عميق وباتت قادرة على النطق بالحكم والتي تجعل الانسان يتفكر في الحياة والكون وذلك على غرار ما وصل إليه بوذا من حالة الاستنارة وهو ما عرف في الأديان الشرقية بالنيرفانا والتي تعني أن ينفصل الانسان تماما بذهنه وجسده عن العالم الخارجي ، ولعل رابعة قد وصلت إلى حالة شبيهة بحالة النيرفانا ، وقد يكون ما نقل عنها حول بعض الكرامات والامور مما قد تبدو لأول وهلة غير منطقية ولا تخضغ لمنطق العلم او لنواميس الطبيعة ربما لم يكن ذلك كذبا او تهويلا حتى وأن دارت بعض الشبهات حول بعض المغالاة او تهويل كما حصل الامر نفسه مرارا مع شخصيات كثيرة وعلى مر التأريخ ،
وبذلك تكون رابعة قد قدمت لنا في نهاية المطاف نوذجا في الحياة يمثل الضد من حالة الترف والبذخ والاسراف في الشهوات والانغماس في المتع الجسدية ،
ولكن وعلى الرغم من التجربة الفريدة والمميزة التي عاشها البشر من أمثال رابعة العدوية وغيرها من الزهاد والرهبان فلنا هنا أن نسأل فنقول : هل أن نمط الحياة التي قدمها لنا أولئك الاشخاص في حكمهم ومآثرهم والتي توصلوا إليها بعد حياة حافلة بالتجارب والاحداث تصلح أن تقدم كنموذج لإنشاء مجتمع صالح متكامل يكون الفرد فيه فاضلا مستقيما وأن يجد له طريقا وسطا معتدلا وحياة مناسبة بين حياتي الترف و الزهد ؟ .

أحدث المقالات