صورهم العملاقة التي تملأ الساحات ومنعطفات الشوارع تبتسم للمارة وكأنها تقول لهم: اطمأنوا. انتم أمانة في أعناقنا. وجميعهم، في صورهم، يحظون بالوان الطيف بكل سخائه وفضاءاته وبهجته وإلفته، الأخضر والأحمر والأصفر والرمادي، وأحياناً كثيرة يتشكل مشهد فجائعي: جدارية السياسي، بابتسامته العريضة، من جانب، وطوابير من السيارات التي تحمل شهداء المعركة النبيلة ضد الهمجية الداعشية من جهة أخرى وسط عويل يسد مساحة المشهد، من جانب ثالث، حتى ان الجدران وحوامل الملصقات تبدو انها تشعر بالخجل حيال هذا التشكيل الاستفزازي.
وهنا يقفز سؤال ساذج، وربما بطران وخارج الصدد: هل حصل أصحاب الملصقات والصور، بمن فيهم الأموات، على ترخيص للإعلان من الجهات المعنية، أمانة العاصمة مثلا؟.
في حمية التحزب، والانحياز الأعمى للقبيلة أو النوع أو المذهب أو الدين أو الزعيم، قد يضطرون –وانا اتحدث عن ظواهر سياسية- الى النزول منزلة الإساءة الى الممدوح، والمرء، كما يقول الامام علي (ع)، يتسخ بالمديح وبالتزلف، الأمر الذي يؤشر مأزقاً سياسياً وذوقياً بالغ الاثر.
اقول، الانحطاط السياسي في العراق فتح الباب (منذ العهد السابق) امام استباحة الجدران والساحات العامة وأعمدة الكهرباء بملصقات وصور وجداريات توزع بنحو عشوائي مضحك، والغريب مما نسمعه، هذه الايام، ان الجهات المسؤولة تعد مناقشة موضوع ملصقات الساسة محرماً وأن بعض تلك الملصقات محاطة بالتقديس والخطوط الحمر، والاغرب ان بعض بلديات المدن (او جيوب فئوية) اقامت مباريات لمن يرغب برسم صور كبيرة لساسة متنفذين ومُطاعين، وهناك الى جانب هذا سباق محموم على الجدران الكبيرة و»الاستراتيجية» بين اتباع الساسة، فكل ملصق للسياسي (أ) ينبغي ان يقابله ملصق للسياسي(ب) وبقربهما ملصق للسياسي(جـ).. وهكذا.
بصراحة، كنا نعتقد ان المشهد المقرف لجداريات وصور صدام حسين سيحل في ذاكرة ساسة العهد الجديد كمخلفات بائدة، وستشكل وحدها عقداً سياسية وأخلاقية ضد هذه الظاهرة المعيبة، وليس من دون مغزى ان يهتم المراسلون الاجانب بنقل الجداريات والصور الجديدة من على جدران المدن الصماء ومنعطفات الشوارع الكونكريتية واعمدة الكهرباء الباردة بالكثير من الاستغراب.
لم يتوان مراسل فرنسي كان قد زار بغداد قبل سنوات، من القول «شاهدتُ صورة كبيرة لسياسي محلي تنتشر من حولها مستنقعات من الماء الآسن، وتنام تحت قوائمها الحديدية نعاج ضعيفة وجائعة». .
**********
بيوتن:
«كل فعل له رد فعل مساو له في القوة، ومعاكس له في الاتجاه».
نقلا عن الصباح الجديد