18 ديسمبر، 2024 10:06 م

المنظومتان الاشتراكية العالمية و القوميّة العربيّة ضحيتا نظريّة الصّدمة الأمريكية!!

المنظومتان الاشتراكية العالمية و القوميّة العربيّة ضحيتا نظريّة الصّدمة الأمريكية!!

الصَّدمة رؤية طموحة للتاريخ الاقتصادي في الخمسين عامًا الماضية، ولصعود أصولية السوق الحرة إستراتيجية الصدمة أو عقيدة الصدمة هو أسلوب للتلاعب تستخدمه الحكومات والإعلام لخصخصة التعليم والمنافع العامة التي يملكها الشعب ورفع الرقابة على الأسواق استجابة لسياسات الرأسمالية العالمية,الجزء الأكثر فاعلية في هذا التلاعب يهدف إلى ضع الناس في حالة صدمة يعاني بعدها الناس من الرهبة وفقد القدرة على الحركة في هذه الحالة يصبحون غير قادرين على التفاعل مع فقدان الحقوق الوحشي الذي قد يتعرضون له.

نشأت عقيدة الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين في مجال الطب النفسي فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي البارز أيوين كاميرون دونلد أيوين كامرون ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها. كان كاميرون يعتقد أن ثمة عاملين مهمين يتيحان لنا الحفاظ على إدراكنا البيانات الحسية التي ترد لنا باستمرار، والذاكرة. لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام. وهنا نصل إلى طبيب الصدم الاقتصادي ميلتون فريدمان.

ارتبط اسم ميلتون فريدمان ميلتون فريدمان بقسم العلوم الاقتصادية بجامعة شيكاغو التي لعبت دوراً يتجاوز دورها كجامعة، بل كان هذا القسم مدرسة للفكر المحافظ، ومقراً للمعادين للكينزية، وللتدخل الحكومي، والداعين لحرية مطلقة للأسواق. في إحدى مقالاته الأكثر تأثيرًا، صاغ فريدمان العقار السري التكتيكي للرأسمالية المعاصرة؛ وهو ما فهمت كلاين أنه “مبدأ الصدمة”. يرى فريدمان أن “الأزمات فقط، حقيقية أو متصورة، تنتج تغيرًا حقيقيًا”؛ فعند وقوع كارثة تُعتمد الإجراءات التي يتم اتخاذها بناء على الأفكار المتاحة؛ حيث يقوم بعض الناس بتخزين سلع معلبة ومياه استعدادًا لكوارث كبرى؛ بينما يخزّن أتباع فريدمان أفكار السوق الحرة. بوقوع الأزمة، نجد فريدمان مقتنعًا بضرورة التحرك سريعًا، لفرض تغيير دائم قبل عودة المجتمع الذي اجتاحته الأزمة إلى “شدة وطأة ظروف ما بعد الكارثة”؛ وهو تنويع على نصيحة مكيافيلي بوجوب إيقاع “الأضرار كلها مرة واحدة”. يؤكد الكتاب أن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية: الخصخصة، وتحرير التجارة، وخفض الإنفاق الاجتماعي؛ التي فرضتها مدرسة شيكاغو ومنظّرها ميلتون فريدمان عالميًا كانت سياسات كارثية. ولأن نتائجها وخيمة وتؤدي للكساد وتفاقم الفقر، ونهب الشركات الخاصة للمال العام، فإن وسائلها كارثي تعتمد الاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية والذرائع القسرية لتمرير “إصلاحات” السوق الحرة المرفوضة شعبيًا. تؤرخ كلاين لهذه الكوارث، التي تتضمن برامج لمدرسة شيكاغو أطلقتها انقلابات عسكرية بأميركا الجنوبية؛ والبيع المعيب لاقتصاد الدولة في روسيا لقلّة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

الفصل الأخير تخصصه الكاتبة لما تسميه ارتداد عقيدة الصدمة على مخترعيها فالشعوب بدأت تستيقظ. ترافق نعي ميلتون فريدمان أواخر 2006 بالتفكير بأن رحيله مؤشر إلى نهاية عصر. وبدأت التساؤلات عن مصير الحركة التي أطلقها، فالمحافظون الجدد تلامذة فريدمان ومطلقو رأسمالية الكوارث خسروا الانتخابات النصفية في الكونغرس، وكان ذلك بسبب فشل مشروع احتلال العراق، وبدأت ملامح ثورة مضادة ضد الفريدمانية واضحة في المخروط الجنوبي أول من طبقت عليه هذه السياسة، فقد فاز إيفوموراليس في انتخابات الرئاسة في بوليفيا ليصبح ثاني رئيس في أميركا اللاتينية يحمل برنامجاً اجتماعياً بعد الرئيس شافيز في فنزويلا لقد بدأ ينحسر مفعول الصدمة وتعطلت عقيدة الصدمة فنهضت الشعوب في الأرجنتين والبرازيل

وتشيلي وباقي دول أميركا اللاتينية. وامتدت الثورة المضادة للفريدمانية إلى بولندا وروسيا.(1)

نيومي كلاين مفكرة وكاتبة كندية عرفت من خلال كتابها “بدون ماركة” والذي أحدث ضجة واسعة حين صدوره وأصبح أحد المراجع الأساسية للحركة العالمية المناهضة للنفوذ الهائل للشركات الكبرى متعددة الجنسيات والعابرة للدول. وقد أصدرت في سبتمبر الماضي كتابها الجديد والمعنون ب “عقيدة الصدمة.” وسط توقعات بين المراقبين أن يفوق هذا الإصدار سابقه من حيث الشجاعة في الطرح والدقة في المضمون والقبول لدى شرائح واسعة من الشعوب المظلومة والمستغلة عبر العالم.

يتناول الكتاب الأسس النظرية وتاريخ التطبيقات العملية لسياسة الاستغلال الأقصى للصدمات التي تتعرض لها الشعوب سواء كانت هذه الصدمات بفعل الكوارث الطبيعية (تسونامي ونيو أورليانز) أو مفتعلة (انقلابات، حروب، غزو، تعذيب) هذه السياسة التي ولدت في كلية الاقتصاد في جامعة شيكاغو على يد المفكر الاقتصادي ملتون فريدمان وتبنتها الإدارة الأمريكية على مدى السنوات ال 35 الماضية. تعرض المؤلفة للتجارب المؤلمة التي أخضعت لها الشعوب من أجل تحقيق مصالح طبقة النخبة الرأسمالية المتحكمة بمفاتيح الثروة ابتداءً من الانقلاب الذي قاده بينوشيه عام 1973 في تشيلي بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد حكومة سلفادور أيندي المنتخبة ، والذي جرى في 11 سبتمبر للمفارقة، وانتهاء بالاستغلال الفاحش لمواطني نيو أورليانز بعد كاترينا فضلاً عن الممارسات المفرطة في الظلم والوحشية والفساد التي شهدها العالم أجمع في العراق مروراً بما حدث في تيانانمين وفي روسيا وجزر الفولكلاند.

جميع هذه الأحداث لم تكن عشوائية ولكنها كانت ثمرة منهج مؤصل وموثق في شيكاغو يؤمن بأن النخبة الاجتماعية التي تقبض على الثروة هي وحدها المؤهلة لدفع عجلة النمو الاقتصادي وأن جميع العراقيل التي من شأنها أن تعوق مسيرة هؤلاء يجب أن تزال ولوكانت هذه العوائق تتمثل في حق المواطن العادي أن يعيش حياة كريمة تتوفر له فيها مقومات العيش الكريم الأساسية.

وتقوم المؤلفة في ثنايا الكتاب بربط الأحداث والممارسات التي ترد في وكالات الأنباء على أنها أحداث متفرقة باقتدار وتوثيق متناهيين وتسلط الضوء على أن ممارسات التعذيب في أبو غريب وغوانتانامو وغيرهما من سجون السي أي إي المنتشرة عبر أوروبا الشرقية والشرق الأوسط ليست إلا جزءً لا يتجزأ من مبدأ عقيدة الصدمة والذي يجري تطبيقه على الأفراد والشعوب على حد سواء.(2)

والحالة هذه ؛ فلو تتبعنا الوضع الاقتصادي الذي كانت تعاني منه المنظومة الاشتراكية .. لدرجة أنَّ حكومة الإتحاد السوفيتي وصلت إلى حدِّ عجزها عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين ، بحيث أوكلت للإدارة الجمهورية السوفيتية أن تتولى معالجة هذه الأزمة ، لتأتي معالجة هذه الصدمة الاقتصادية بالانفصال الشامل لإتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ، ومن ثم وصول أثر الصدمة الارتدادية ليحدث انهيارا شاملاً في المنظومة الاشتراكية العالمية .. ومنها إتحاد الجمهوريات اليوغسلافية ، ومن ثم الانهيار الفعلي و السياسي لجدار برلين للألمانيتين وتوحدهما رأسمالياً .

هناك حصلت صدمة اقتصادية ناجمة عن انهيار دخل المواطنين وعجز الحكومات عن معالجة تلك الصّدمة تسببت في حدوث الانهيار السياسي للمنظومة الشيوعية الاشتراكية .

ولو استعدنا الأحداث التي حصلت في المنظومة القوميّة العربية ، لرأينا خريف الربيع العربي الذي لم يكن إلاّ ردّاً انفعاليا على الصّدمة الدكتاتورية الحاكمة التي قهرت الجماهير العربية ، وتسببت في تلك الثورات الشعبية العارمة .. التي لم تحصد من ربيعها ذاك إلاّ الجدب و المحول.

ولم تعِ الشعوبُ بعدُ مخاطر تلك النظرية الأمريكية الخبيثة ، التي وضعت الشرق الأوسط والعالم في مستنقعات آسنة تغلي بالصراعات الصادمة ، التي تجبر الشعوب على القبول بالبدائل التي تخرجها من هذه المستنقعات والبراكين الحارقة .

وهكذا جعلت الإدارة الأمريكية هذه النظرية الخطيرة مدرسةً تتخرج فيها جميع الرئاسات الأمريكية .. مهما تبدّلت مسمياتها الجمهورية والديمقراطية ظاهر الحال .

لم تكتفِ الإدارة الأمريكية بإشعال نار نظريتها هذه في المنظومة الاشتراكية أو العربية ، بل نشرتها في العالم أجمع ، لكي تحدث حالة من الهلع الشعبي في أوروبا وآسيا و أفريقيا وأستراليا .. مالم تكن حكومات واعية و شعوب يدركان مخاطر هذه المؤامرات لنظرية الصّدمة الأمريكية ، بأن يتصديا للمؤامرات بصدم نظرية الصّدمة ، من خلال الالتفاف حول حكوماتها الوطنية ، و إسقاط الحكومات المنفذة لمؤامرات هذه النظرية ؛ ..

هذا الهلع يجعل الشعوب تفتش عن ملاذٍ يقيها من الكوارث الناجمة عن الصّدمات التي تقع عليها !!!

وعندما تكون الرأسمالية العالمية ، والقدرة العلمية والاقتصادية و العسكرية كفيلة بوقاية الشعوب من ويلات الصَّدمات القاهرة ، هي بكل تأكيد تضطر إلى أن تلوذ بحامي الحمى .. أيّاً كان !

وعندما تتقدم الإدارة الأمريكية بحلول توهم الشعوب المصدومة بأنها هي الحلول الناجحة للأزمات ، هي بكل تأكيد تتفاءل بالمقترح الذي تحمله المساعي الأمريكية ، التي ظاهرها حميد وباطنها خبيث !!!

ولن تكفَّ الإدارة الأمريكية عن إحداث الصّدمات تلو الصّدمات في أيّة منطقة من العالم .. هي تريد أن تحدث فيها تغييراتٍ سياسيةً أو ديموغرافيةً أو اقتصاديةً ، فها هي مرّةً تصدم بروسيا من خلال تحريك أدواتها التنفيذية في حليفتها تركيا .. لتسقط طائرة مقاتلة لها هنا ، وتقتل سفيراً لها هناك !!!

أو أن تضيّق حصارها الاقتصادي الصّادم على إيران ، والعراقيل الصادمة لحقِّها المشروع في الاستخدام السلمي للطاقة النووية !!!

أو أن توعز إلى المملكة العربية السعودية لصدم الشعب اليمني ، الذي لا ذنب له ، إلاّ أن يقرر مصير مستقبله السياسي بإرادته .. دون تدخل خارجي !!!

وقبل كلِّ ما تقدم ؛ فالإدارة الأمريكية طبّقت نظرية المؤامرة في تموز 1979بتسليم مقاليد البلاد و العباد إلى الصَّادم الأمريكي الأوّل صدّام حسين في العراق ، الذي قال : لقد غدر الغادرون !!!

فأيّ وعد قطعته أمريكا له ، ولم تفِ له فيه ، ولماذا ؟!!!

الإدارة الأمريكية برئاساتها المتتابعة إذن ؛ تفرح باستمرار الصّدمات في أيّة بقعة من العالم .. حتى تذعن الشعوب والحكومات لإراداتها البراغماتية ، ومن ثم إخضاع المنظومة الدولية العالمية كلَّها لها ، فتضمن أمنها القومي و تحفظ اقتصادها و سيادتها على العالم بأسره ، توقيّاً

من ظهور قوى جديدة منافسة لها ، وهي تقرأ حِراكَ الموجات الحضارية الصّادمة للأُمم عبر التاريخ !!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـ (الموسوعة الحرّة)

(2) ـ ( تأليف: نعومي كلاين / ترجمة: عمر عدس)