منهج استنطاق الاموات:
قراءة في منهج الاستنطاق للسيد محمد باقر الصدر
لاتقاس المعرفة العلمية بالكم المعرفي المتمثل بالكتابات المختلفة التي تعالج مجمل نواحي الحياة وانما بالتطور النوعي للمعرفة فالتطور الحادث في طرق التفكير المتمثلة في مناهج البحث العلمي او مناهج بناء العقل المعرفي هو المعبر الحقيقي عن ذلك ، كون الانتاج المعرفي في العموم يتم بناءه على شكل من أشكال البناء العقلي المتمثل في طريقة التفكير والتعامل مع المعرفة العلمية بحثاً ودراسة، هذه الطرق العقلية عندما تظهر في فترة زمانية معينة تكون بمثابة الاساس او القاعدة العامة التي يقوم عليها البناء المعرفي حتى نراها تتحول شيئاً فشيء الى حالة عامة تحكم التفكير وثم تحكم الانتاج المعرفي ،وبالتالي تحكم نمط الحياة بمختلف مجالاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لابل حتى النفسية ،فعلى سبيل المثال كان التفكير العام منذ بداية الحضارة اليونانية محكوم بالمنطق الاستنباطي والاستقرائي واستمر هذا المنطق يحكم البناء المعرفي والاجتماعي ولفترات طويلة الى القرن السادس عشر حيث بدأت المناهج التجريبية تأخذ دفة القيادة في البناء المعرفي ، اي حدث انتقال من المناهج العقلية (النظرية ) الى المناهج التجريبية (العملية ) ،في ضوء هذه الصورة العامة للتطور الحاصل في مجال وضع اساس للبناء المعرفي تأتي اسهامات المفكر الشهيد محمد باقر الصدر ،حيث عمد السيد الى خوض غمار الدراسة في هذا المجال فهو قد رأى بان كلتا المساهمات المعرفية لاتقدم تصور كامل للحقيقة ،فهي تبقى أسيرة العقل ذاته الذي هو الاخر أسير ثقافته ،لذلك حاول السيد ان يقدم طريقة في الاستقراء تجعله أكثر تكاملاً وتخرج به من حالة الاستنباط العقلي ،وذلك من خلال ادخال منطق التوالد الذاتي القائم على اخذ الفهم الخاص للانسان في الحساب المعرفي ،وبناءً على هذه الطريقة في التفكير يعمل السيد على تطوير منهج خاص في التفكير هذا المنهج يعمل على وصل الماضي بالحاضر ويعمل اظهار المسكوت عنه في النص او الحدث ويعمل على احياء الاموات لكي تنطق وتعطي رأيها في المسائل المستجده هذا المنهج في التفكير يساهم في تطوير العقل العلمي وجعله أكثر قدرة على سبر اعماق المعرفة الانسانية فبه نستطيع استنطاق التراث ككل او استنطاق المفكرين والعلماء من الاموات والذين لهم اسهامات معرفية وبه نستطيع ان نعرف ارائهم بالمستجدات المختلفة ومن خلاله نستطيع ان نحقق تطور معرفي وبناء منظومة حياتية عامة ، وكذلك ما يميز هذا المنهج عن غيره من المناهج صفة لانهائية فهو غير محدد زمانيا او مكانياً مما يجعله مفتوح باستمرار امام كل المستجدات الحياتية ،مما يدخله في اطار التطور المعرفي الحادث في الغرب المتعلق بسقوط النهايات والمتمثل بطروحات ما بعد الحداثة.
ونحن في الشرق في أمس الحاجة لولوج هذا المنهج المعرفي وهذه الطريقة في التفكير التي يقدمها السيد الشهيد كونها تساعدنا في الخروج عن أنماط التفكير السابقة التي في اغلبها من ابتكار الحضارة الغربية والتي تأسر التفكير المعرفي لدينا مما يجعلنا نقرأ الحدث بعيون الغير، قراءة لا توفر زاداً معرفياً قادراً على توفير تحليل عميق للواقع ،كذلك ان ولوج هذا النمط في التفكير سوف يساهم في بناء مرجعية معرفية ومن ثمة حياتية تساهم في فك الاشكال الحادث في الواقع بين تبني الماضي ورفض الحاضر والعكس بالعكس ، أي ان هذا المنهج سوف يساعد العقل الشرقي على الانطلاق بعيداً في فضاءات المعرفة الانسانية ، مما يجعله عقله قادر على تحقيق الريادة الفكرية ومن ثم الاسهام في بناء أنموذج معرفي أكثر انسانية .وهنا يجب ان لايفوتنا التذكير بأن منهج السيد الشهيد ذاته يدفع بالعقل الى الخروج عن ذاته ،أي ان المنهج ذاته يرفض ان نقف عن المساهمات الفكرية التي تقدم بها الشهيد الصدر في الابداع المعرفي ،هذا اذ دل على شيء فانه يدل على غنى المعرفي الذي يقدمه الشهيد الصدر في هذا المجال ،فهو في مساهمته هذه قد أخرج العقل المسلم بالاخص والعقل الانساني في العموم من اسر المنهج العقلي الارسطي-البيكوني ووفر مساهمة ترتفع بالعقل من الارض أي من المقيدات والمحددات المادية والتي تجعله محدود التفكير الى السماء حيث تزول تلك المحددات وينطلق العقل نحو اللانهائية ،لا نهاية التفكير لانهاية الحقيقة الانسانية لانهائية التجربة الانسانية ، لانهاية الحياة الانسانية ذلك كونه يربطها بالمطلق اللامحدود وهو الله سبحانه وتعالى.