18 ديسمبر، 2024 7:47 م

“فتنة” كركوك وحلم الدولة الكردية

“فتنة” كركوك وحلم الدولة الكردية

يبدو ان مواطني كركوك على موعد مع صراع عرقي جديد تنسج خيوطه الأحزاب الكردية التيتحاول الظهور وكأنها منسجمة وموحدة في حين تعيش من الداخل تحالفا هشا قد تعرضه المصالح السياسية والاقتصادية للانهيار في أية لحظة، فالخطوة التي افتعلها محافظ كركوك نجم الدين كريم الذي ينتمي للاتحاد الوطني برفع علم اقليم كردستان فوق المؤسسات الحكومية لم تكن تصرفا فرديا أو اجتهادا شخصيا كما يراه البعض، إنما جاءت بعد مشاورات واجتماعات متكررة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود البارزاني، الذي ينظر لكركوك كبرميل نفط لا يمكن التفريط به مهما كان الثمن، فالصراع على المحافظة التي تنتج يوميا 450 الف برميل من النفط والسعي لضمها لكردستان قد يكون بداية لإعلان الدولة الكردية التي يهدد بها البارزاني بين فترة واخرى.

المتابع لتصريحات الساسة الكرد والاصرار على رفع علم كردستان في كركوك وإجراء استفتاء لضم المحافظة الى الإقليم لا يجد غير تفسير واحد لتلك المسرحيات وهي ردة فعل على تصريح وزارة الخارجية الأميركية التي أكدت رفضها تقسيم العراق، بعد فشل توقعاتهم بحصول خلافات بين إدارة ترامب والحكومة العراقية ليعملوا على استغلالها لصالحهم، لكن التقارب بين بغداد وواشنطن الذي ظهر بقوة خلال زيارة رئيس الحكومة حيدر العبادي لاميركا شكل صدمتا لاحزاب السلطة في كردستان مما جعلها تتخبط في تصرفاتها وتختار التوقيت الخاطئ للكشف عن نواياها وخططها التوسعية، وخاصة في كركوك التي تعرف منذ القدم في ادبيات الحزب الديمقراطي بـ”قلب كردستان” وفي ادبيات الاتحاد الوطني بـ”قدس كردستان” وهو مايوكد ان رغبة الأحزاب الكردية بضم المدينة النفطية لم يظهر بعد العام 2003، وهو ما يرفضه الكثير من المثقفين والشخصيات الكردية المعروفة،، حيث يقول البروفيسور الكردي عمر ميران الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1952، والمتخصص فى تاريخ شعوب الشرق الاوسط، واستاذ التاريخ فى جامعات مختلفة يقول ان (الشعب الكردى شعب بدائى وتاريخه بسيط، وهذا ليس انتقاصا من شعبنا الكردى ولم نسمع او نجد الى يومنا هذا اى اثر لتراث حضاري او اي اثر لمدينة كردية تأسست على ايدى الشعب الكردي، فاالقيادة الكردية الحالية وبعض المثقفين الاكراد المغرورين يريدون ان يفهموا العالم انه حقا هناك وطن اسمه كردستان بلا دليل اثبات علمي، واننى كلما تذكرت هذه التسمية الطارئة وانا ابن تلك المنطقة اشعر بالاشمئزاز لما تحمله هذه التسمية من نعرة عنصرية  شوفينية مقيتة تبعدنا عن روح التسامح والمحبة بين الاخوة المسلمين، ان القيادة العشائرية المتعصبة تريد ان تجعل من شعبنا الكردى شعبا كاليهود فى فلسطين العربية… فاختيار هذا الاسم يلغى الوجود الفعلى للكثير من القوميات المتواجدة فى المنطقة من العرب والتركمان والاشوريين والكلدان واليزيدين، فلو درسنا التاريخ الاسلامي فى شمال العراق نجد انه لم يكن هناك ذكر للاكراد او كردستان في هذه المنطقة) وهناك المزيد من الشهادات التي لا يوجد مجال لذكرها في الوقت الحالي.

لكن ما لايدركه الساسة الكرد من خطورة رفع علم اقليم كردستان في كركوك كونه سيكون المسمار الذي يدق نعش الدولة الكردية بسبب التحديات الداخلية التي تواجههم وأبرزها الصراعات مع رئيس الاقليم مسعود البارزاني المتمسك بالسلطة من جهة والعوامل الخارجية المتمثّلة بالمجتمع الدولي والدول الاقليمية (تركيا وإيران) من جهة اخرى، فالكرد يعلمون جيدا أنهم غير قادرين على اعلان دولتهم من دون موافقة انقرة وطهران اللتان تضمران العداء لهم وسيعملان بقوة لمنع إقامة دولة كردية، اضافة الى أميركا وروسيا وبعض الدول التي لا ترغب بحصول اي تغيير في خارطة المنطقة من دون ان يخدم مصالحها.

فالرئيس التركي رجب طيب اردوغان كان اول من كشف عن موقفه بشكل واضح وهدد بقطع العلاقات مع اقليم كردستان في حال الاستمرار برفع علم الإقليم في كركوك وتحدث بلهجة شديدة وكأنه يأمر البارزاني بالتوقف عن التوسع والتخطيط لإقامة الدولة “المنشودة” التي تشمل وفقا لأحلام الساسة الكرد اجزاء من ايران وتركيا وسوريا، جميع تلك العوامل تجعل من الصعب اعلان الدولة الكردية في الوقت الحالي على الأقل، لكن يبقى السؤال هل سياخذ السلطان التركي دور شاه ايران ويقضي على الحلم الكردستاني الذي طال انتظاره، كما انتهت جمهورية مهاباد التي استمرت 11 شهرا فقط.
نقلا عن العالم الجديد