23 ديسمبر، 2024 10:23 م

عندما يصبح القانون أداة لتنفيذ الجريمة

عندما يصبح القانون أداة لتنفيذ الجريمة

من المفروض أن يكون القانون أداة لبسط الأمن والنظام ولحفظ النفس والمال والممتلكات، ولمعاقبه المجرمين الخارجين عن القانون وتنظيم حياة الناس اليومية ولتحقيق التطور المستدام للمجتمع.
وأنا أقرأ وانظر الى عشرات العمليات من اختطاف وقتل واعتقال عشوائي، وفي أماكن، الدولة لها سطوتها الأمنية فيها، يعتريني شعور بالذهول والحيرة، وينتابني الخوف والتساؤل عن مرتكبي هذه الجرائم من المنتمين للمليشيات وداعش وغيرها؛ فكيف لشاب في مقتبل العمر أن يضحي بحياته، وأن يجهز على عشرات الأبرياء الذين لم يمسوه بضرّ؟ كيف لطالب أن يصبح لقمة سائغة في يد المليشيات والمتطرفين؟ لماذا يتحول الشاب من عاشق للغناء والطرب والموسيقى إلى شاب يعشق سفك الدماء؟ لماذا انتقل الفتى من محب للحياة إلى عدو للحياة؟ وبعد هذا وقبله، من المسؤول عن تلك الصيرورة القاتلة؟
ارتمى الشباب في أحضان داعش او المليشيات، وصوروا لهم الديمقراطية كفراً، والعلمانية إلحاداً، والجهاد قتل المخالف في الدين او المذهب، وهو جسر عبور إلى جنات النعيم.
تحولت شخصية هؤلاء الشباب(المنتمين لداعش والمليشيات) الغضة المرنة إلى شخصية صلبة متشددة، وتحولت حماستهم إلى عنف مقدس، وانقلبت روح الدعابة عنده إلى جديّة صارمة تعشق الإقصاء والتدمير، وغدا الفتى يمتلك قابلية عالية على القتل وسفك الدم من أجل قناعاته الدينية وتحول إلى ناطق باسم الله، وبات يرى كلام الشيخ والمعمم كلاما مقدسا، يقتضي التنفيذ لا التعديل، وغدا يرى الانتماء إلى داعش والمليشيات عقيدة لا تطوعاً، والفتك بالمخالف واجباً مقدسا، وضرورة ملحة “لإقامة دولة الخلافة ونصرة المذهب”.
تم ذلك في غيبة الدولة لم تقم بدورها المطلوب في الإحاطة بالشباب وحمايتهم، والدولة نراها حاضرة، في المنطقة الخضراء ومراكز الشرطة والثكنات العسكرية ومراكز المدن، وتولى من يقوم بحماية المواطن أناس غير كفوئين، فقامت الفجوة بين المواطن والدولة، فامتدت داعش والمليشيات في فراغنا، والتحق الشباب بتنظيم الدولة الإسلامية والمليشيات واعتبروه عمل جهادي، والدولة عاجزة عن عمل شيء.
من المفروض أن يكون العنف جريمة يحاسب عليها القانون ويعاقب عليها الجاني وأن يقوم القانون بتعقب المجرمين وملاحقتهم والقصاص منهم، ولكن أن يتحول القانون الى أداة لتنفيذ القتل والتغافل عن المجرمين والى أداة لنشر الفوضى بواسطة العنف والقتل ونشر السلاح في المجتمع ونشر الخوف والإرهاب بين الناس، حينها يتحول القانون الى أداة لتنفيذ الجريمة.
حين يعلم القانون عن المجرمين من المليشيات الذين قاموا بجريمة حرق اشخاص ومنازل وسرقة محلات ويتعامى عما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي كتوثيق لجرائم الحرق، وما نشرته سابقا من جرائم حرق عديدة قامت بها مليشيات مأجورة لا تقل اجراما عن داعش، عندها يوفر القانون الحماية للمجرم الذي يقوم بالحرق ليعيث فيها فساداً حرقاً للأشخاص والأموال، عندها يصبح القانون اداة لتنفيذ الجريمة.
فلماذا يتم التستر على هذه الجرائم وعلى المجرمين، وما زال المجرمون الذين يمارسون هذه الاعمال أحرار وهم ينتظرون تنفيذ جريمة أخرى، اذاً فنحن أمام حالة أصبح فيها القانون أداة لتنفيذ الجريمة.
عندما يتم اعتقال وخطف الأشخاص بصورة عشوائية من مليشيات تدعي انتمائها للحشد الشعبي (عدة تصريحات صدرت حول ذلك واخرها بيان السيد مقتدى الصدر حول سبب تجميد عمل سرايا السلام) وبدون تصدي من الحكومة لوقف تلك الممارسات والجرائم؛ التي تعد نشر للفوضى وتشجيع الاخلال بالنظام والأمن العام، حينها يصبح القانون اداة لتنفيذ الجريمة.
عندما يتحول القانون الى أداة بيد المليشيات والعصابات لبسط التهجير واغتصاب الحقوق وحماية إجرام المندسين فنحن أمام حالة أصبح فيها القانون أداة لتنفيذ الجريمة.
عندما تمر ارتال المليشيات وبزي عسكري وبسيارات الدولة وهي محملة بالمخطوفين من امام السيطرات الحكومية التي وجدت لحماية المواطن لا ان تتفرج عليه وهو مخطوف او معتقل ويمر من امامها، بل أحيانا يتم خطفهم واعتقالهم امام انظارهذه السيطرات، وتنقل هذه المليشيات حمولتها من المخطوفين بين المحافظات، الم يصبح القانون أداة لتنفيذ الجريمة؟ الم تصبح إمكانيات الدولة مسخرة لتنفيذ هذه الجرائم؟
الدولة التي من واجباتها الدستورية حماية المواطن وتجسيد الامن والنظام.
ويتحدثون عن مطلقي الاتهامات بحق الحشد الشعبي بطريقة عنوانها كل من يطلق الاتهامات داعشي وذلك امر مرفوض ويحجب بناء دولة، وتحدث رئيس الوزراء واكد في مؤتمر لحزب الدعوة يوم 9/4/2015 بان قال(.. هناك جيش من المسيئين وضعاف النفوس والمدفوعين من داخل الحشد الشعبي ممن يحاولون الإساءة الى القوات الأمنية … والحشد ليس سنيا او شيعيا وانما عراقيا وطنيا … ) وتلك شهادة خطيرة لان الامر تحول الى وجود جيش وليس عناصر مندسة كما يصفها البعض، لا سيما في وجود عشرات المشاهد والمقاطع تشير بالدليل القاطع بان الموضوع لم يعد مجرد اتهامات.
ان للحفاظ على زخم الحشد الشعبي، يتم بفضح الجرائم البشعة التي ترتكبها المليشيات المنضوية تحت الحشد الشعبي لأنها ترتكب جرائمها باسم الدولة؛ لان الحشد يعمل بأمرة الدولة، خصوصا مع توفر الأدلة والشواهد الموثقة التي حصلت عليها المنظمات الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، والمجتمع المدني، وصارت حديث الأسرة الدولية، وتناقلتها تصريحات المسؤولين والمراقبين والمتابعين المحليين والدوليين، وذلك يحتاج تصدي سريع وحازم لأجل ضبط الجناة ومنعهم من الإساءة الى الحشد الشعبي، وقد شاهدنا عرض صور ومقاطع فيديو، تظهر تلك الجرائم، وهنا لم يبقَ شماعة لتبرير الجرائم والانتهاكات وتبرئة مرتكبيها، هدفها تشويه صورة الحشد الشعبي، فحصولها بهذه الصورة والكيفية والديمومة والاستمرارية لا يمكن تفسيرها أنها تمثل حالات شاذة، لأن الحالة الشاذة لا تتكرر بكثرة ولا تستمر بنفس المنهجية والجهات، خاصة أن تلك العناصر المسيئة باتت تشكل حالة مستمرة وممنهجة مع كل تحرير ولها سلطة ونفوذ وتتحكم في بعض مفاصل الحشد الشعبي الذي تحول في قسم منه إلى حاضنة لهم والجرائم المرتكبة جنائية خطرة، وترتكب تحت غطاء الدولة، فيكون القانون عند ذاك أداة لتنفيذ الجريمة.
ان الدفاع عن الحشد الشعبي لا يكون بالتستر على تجاوزات وانتهاكات بعض عناصره ولا بنفيها نفياً مطلقاً، فمثل هذا التستر أو النفي سيشجّع العناصر الرديئة في الحشد الشعبي على ارتكاب المزيد من التجاوزات والجرائم والانتهاكات وتشويه صورة الحشد والطعن في مهمته الوطنية.
ودور الحكومة يستلزم فتح تحقيق بهذه الجرائم التي ترتكب من فصائل تعمل تحت مظلة الدولة، يحدد المسؤوليات ويقرر الجزاءات ويعلن الحقائق، وأن يتم القاء القبض علي المجرمين وتقديمهم للعدالة.
ان تلك الممارسات التي تتم باسم القانون منافية للمنطق وللعدالة والإنصاف، وأدت الى نشوء فكر متطرف ادى إلى استكمال مسلسل إراقة دماء بريئة كانت أم مذنبة؛ دماء سالت نتيجة للثأر الطائفي، وخلافات تبدأ، ولا تلوح بالأفق بوادر حل لها، وهذا الفكر المتطرف وضع الطرف الآخر في موقع العداء، ويبيح استخدام كل الوسائل للقتل والانتقام، وكل ذلك باسم القانون.
ان العراقيين باتوا يؤمنون بان، لا حاجة لهم بالقضاء، لأن الدولة والحكومات المتعاقبة والإدارات والمؤسسات وكبار القادة الحكوميين يوجهون الضربات تحت الحزام بقوة ويوميا وباسم القانون، ليؤكدوا ان تأسيس دولة القانون حلم وخيال، وليقولوا لنا إن القانون لا يطبق إلا على الطيبين وحسني النية، الذين يحترمونه ويثقون في سيادته، وليقولوا لنا إن من أراد من المواطنين أن ينتحر أو يهاجر، فليرحل دون أسف، لأننا مستمرين في انتهاك حرمة المواطن وعدم حمايته من المليشيات الضالة والعصابات المنظمة التي باتت تخطف وتقتل وتبتز وبزي رسمي وبعجلات حكومية، أي تنفذ جرائمها باسم القانون، وأصبحت المظاهر المسلحة منتشرة في المشهد اليومي للمواطن العراقي وباسم القانون.
لقد بلغ السيل الزبى ووصل انتهاك المشروعية رقما قياسيا، من استفحال تعسف الدولة وتجاوزات السلطة واعتداءات بعض عناصرها على حقوق وحريات المواطنين.
عمليات الاختطاف التي تتم على أيدي مسلّحين على درجة عالية من التنظيم والتسليح وباستخدام زي رسمي وسيارات دفع رباعي لا تتوفر عادة لعصابات الجريمة المنظمة ولكنها متاحة للميليشيات؛ بهدف تصفية حسابات مع أطراف محلية وإقليمية، وبغرض ترهيب الشارع وقطع وتيرة غضبه المتصاعدة، وباسم القانون.
وفي محافظة صلاح الدين وتحديدا في الطريق الواصل بين الدجيل وبغداد، قام مؤخرا حوالي خمسين مسلّحا يرتدون لباسا أسود موحّدا ويستقلون 20 سيارة دفع رباعي ويحملون أسلحة متطورة بإغلاق الطريق وتجريد ضباط وجنود الجيش والشرطة من أسلحتهم وهواتفهم النقالة واختطفوا 42 شخصا كان يجري نقلهم إلى بغداد بعد أن ظلوا معتقلين في سجن محلي بتهمة الإرهاب، فهل الاستهانة بالقانون وبقواته المسلحة وصل الى هذه الحد وأصبحت المليشيات هي المسيطرة على قواتنا المسلحة وأجهزتها الأمنية وتقوم باسم القانون ومقاتلة داعش بخطف معتقلين على ذمة القضاء، بحجّة أنّ القضاء يتساهل معهم، وأن أحكام الإعدام التي قد تصدر بحقهم لا يجري تنفيذها؛ فهل اصبح القانون أداة لتنفيذ الجريمة حتى في داخل الأجهزة المسؤولة عن بسط الامن والنظام؛ ان تلك الممارسات ستؤدي بنا الى الهاوية ويصبح القانون معول لهدم الدولة وليس فقط لتنفيذ الجريمة لان القانون اصبح قانون المليشيات، لاسيما ان الدولة هي من سمحت لهذه المليشيات ومظاهرها المسلحة بالانتشار وممارسة نشاطها تحت غطاء الدولة والدولة تعلم بنشاط هذه المليشيات وتعلم مكان المخطوفين، لكنها لا تفعل شيء لأنها مشاركة بتلك الممارسات من حيث تدري ولا تدري.
وفي حي الحبيبية بمدينة الصدر، أقدم مسلحون يرتدون ملابس سوداء ويستقلون سيارات دفع رباعي على خطف 18 موظفا وعاملا تركيا من موقع بناء ملعب لكرة القدم، وكثيرا ما يثير تنقل منفذي عمليات الاختطاف في مواكب كبيرة ومكشوفة للعيان أسئلة عن دور القوات الأمنية خصوصا في مدينة مثل بغداد تخضع أغلب مناطقها لرقابة أمنية مشددة ينفذها عشرات الآلاف من الجنود ورجال الشرطة.
والمؤسسة القضائية لدولة العراق، رغم كفاءة ومهنية أطرها، عاجزة عن فرض احترام الأحكام ووقف التدخلات في سير عملها، فهي نحسبها لها العلم بما يجري بالمعتقلات من ممارسات انتزاع الاعترافات بالإكراه ولها العلم بما يمارس لأجل تأخير المعتقلين فترات طويلة في السجون لأغراض مختلفة، وتعلم بان هناك ممارسات تخل بشفافية التحقيقات خاصة التحقيقات التي تجري بحق عناصر أحزاب السلطة، ولها العلم بان هناك بعض القضايا المدنية والشرعية تتأخر أحيانا سنوات أمام المحاكم، وتعلم بالفساد الكبير الذي يضرب اطناب الدولة العراقية وتعلم بجرائم المليشيات؛ لكنها بدون دولة قوية تحمي المؤسسة القضائية ورجالاتها لا تستطيع القيام بواجباتها على اكمل وجه.
والدولة، تنتهك الدستور بالاعتداء على حق الملكية يوميا بنزع الممتلكات وبيعها لرجالات أحزاب السلطة بثمن بخس او تنتزع من أصحابها بدعوى المنفعة العامة، وتستعملان الصورية فقط لأنها تقوم بتحويلها غالبا إلى الخواص، أشخاصا أو شركات، ما يجعلها كمن يسرق منهم حقوقهم ويعتدي على حق الملكية المصان بالدستور، فهذه التجاوزات تتم أيضا باسم القانون؛ فأصبح القانون أداة فعالة لارتكاب جرائم الاعتداء على حقوق الملكية العامة.
الدولة وتحت شعار حماية الامن والنظام تتجاوز على الدستور والقانون وتهين بعض عوائل العراقيين وتسقط حقوق وواجبات موكلة للسلطة القضائية، عندما تمنع عودة هذه العوائل الى ديارها بعد تحريرها من داعش الإرهابي بفرية جديدة(حواضن للإرهاب)، أي ان الدولة اوجدت مصطلح (اتهامات وإدانة عائلية)، واسقطت دور القضاء عندما تكون هي من تتهم وهي من تنتهك وهي من تدين وتنفذ باسم القانون.
والدولة تهين مواطنيها باسم القانون عندما تمنع مواطن عراقي من الدخول لعاصمته وتسمح لاف الزائرين الغرباء بدخول العراق بدوت تأشيرة؛ ولا حتى يتبادر الى ذهنها ان هذا الدخول وبهذه الاعداد الهائلة مخيف وخطر على امن الدولة في ظل إرهاب منظم وتدميري يضرب اركان ومفاصل الدولة العراقية بقسوة.
عندما يصدر القضاء العراقي مئات مذكرات القبض وتمتنع السلطة التنفيذية من تنفيذها بحق المتهمين والإرهابيين لارتباطاتهم الحزبية والمليشياوية، فإننا امام إساءة إلى الأحكام وصورة غير مشرفة للعراق ولقضائه وللأمن القضائي للعراقيين، لأن تسييس المؤسسة القضائية واحتقار الأحكام، في النهاية، صورة من صور الفساد السياسي في الدولة بل إنه أكبر فساد تقوم به السلطة التنفيذية وأيضا باسم القانون.
ان اعادة الهيبة إلى القانون والأحكام امر جوهري لمحاربة المليشيات والعصابات المنظمة، وعلى السلطة التنفيذية أن تبتعد عن التدخل بعمل المؤسسة القضائية وتنفذ كل الأحكام العالقة في رفوف المحاكم عبر التراب الوطني دون استثناء وبشفافية ودون ابتزاز ولا محسوبية، ولا خوف من مليشيا او حزب.
ان الجرائم المرتكبة من قبل بعض عناصر الأجهزة الأمنية بحق المعتقلين، بحجة انهم إرهابيين، جرائم مروعة وسطرتها التقارير الدولية وتصريحات عديدة، وتتم بغطاء حكومي مما جعل القول السائد بان الدولة تمنع التعذيب بالقانون لكنها تيسر استخدامه بالممارسة فيه من الصحة الكثير؛ مما جعل القانون أداة بيد هؤلاء لتنفيذ جرائم التعذيب، وبتعسف واضح بكرامة قسم كبير من المعتقلين، وهناك أيضا تعسف بحق قسم من القضاة الشرفاء الذين يتم تهديدهم واتخاذ ممارسات تعسفية بحقهم، ان هم تصدو لإحقاق الحق، والنتيجة إهدار مجهوداتهم وإهانة أحكامهم وقراراتهم والتدخل فيها من قبل الحكومة والمليشيات والأحزاب وغيرها.
وأخيرا نقول: العدل اساس الملك كلمة رنانة تهز شعور الناس ولا تهز ضمائر الساسة والحكام؛ ونتمنى من الله ان لا تقلب كفة الميزان التي نرى صورتها فوق راس كل قاضي يحكم باسم الشعب، وعندنا من القضاة الشرفاء الذين لا تغريهم المناصب ولا المكاسب: كثيرون؛ فاذا صلح القضاء عم الرخاء، والقضاء العراقي يبقى هو الامل في تجسيد مضامين العدالة.
ويقول سيد البلغاء علي بن أبي طالب(عليه السلام) :
(تستصلح الكرام بالكلام، وتستصلح اللئام بالمال، وتستصلح السفلة بالهوان)