تورّط تشكيلات الحشد الشعبي في الصراع السياسي بالعراق، وما أصبح يمثله الحشد من عبء مالي على الدولة العراقية، وتراجع دوره في القتال ضد تنظيم داعش في مقابل عمل واشنطن على تقوية الجيش وتأسيس حشد وطني، كلّها عوامل تدفع باتجاه تفكك هذا الجسم شبه العسكري .
وتلقي الصراعات المتصاعدة بين زعماء وقادة الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق بشكوك كبيرة على مصير الحشد الشعبي، وقدرته على مواصلة القتال في جبهات الحرب ضدّ داعش، خصوصا وقد بات هذا “الجسم” شبه العسكري المؤلّف أساسا من ميليشيات شيعية، يواجه أزمة مالية خانقة، فضلا عن كونه بات مهدّدا برفع الغطاء الديني عنه من قبل مرجعية النجف التي وقفت أصلا وراء إنشائه، ولا يستبعد أن تقف خلف حلّه بعد أن تحوّل وسيلة ضغط على الحكومة التي تقف المرجعية في صفّها بوجه شخصيات شيعية نافذة تناصب رئيس الوزراء حيدر العبادي العداء وتعمل علنا على عرقلة عمله تمهيدا لإسقاطه.
ويعيش العراق هذه الأيام على وقع معركة توصف بـ”المصيرية” بين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي تسانده مرجعية النجف في حركة الإصلاح التي أطلقها، وسلفه على رأس الحكومة وفي نفس الوقت “رئيسه” في حزب الدعوة، نوري المالكي الذي يعمل بشتى الطرق على استعادة رئاسة الحكومة منه.
ولا تبدو التشكيلات الشيعية المسلّحة المنضوية ضمن الحشد الشعبي بعيدة عن هذا الصراع في ظل انقسام قادتها بين مؤيدين للعبادي ومناصرين للمالكي.
السيستاني وراء تشكيل الحشد .. وسيكون وراء حله
وكانت المرجعية الشيعية العليا ممثلة بالسيد علي السيستاني قد أصدرت منتصف حزيران 2014 فتوى دينية تعرف بالجهاد الكفائي لتشكيل حشد من المتطوعين لمواجهة تنظيم داعش الذي غزا البلاد وسيطر على أجزاء واسعة منها في ظل حالة من شبه الانهيار التي وصلت إليها القوات المسلّحة العراقية.
وسارعت الميليشيات الشيعية بدعم إيراني إلى استقطاب عشرات الآلاف من المتطوعين الشيعة الذين شاركوا في قتال تنظيم داعش في عدّة مناطق، إلا أن عدّة ظواهر سلبية رافقت ذلك القتال، أخطرها تسيب هؤلاء المقاتلين وانسياقهم في عمليات انتقام طائفي ضدّ السكان السنة تراوحت بين القتل والاختطاف ونهب الممتلكات على خلفية اتهام هؤلاء السكان باحتضان تنظيم داعش ومساندته.
ورصد متابعون لسير المعارك في الأنبار مؤخّرا تراجعا ملحوظا في أعداد عناصر الميليشيات الشيعية المشاركة في قتال تنظيم داعش، خصوصا في محافظة الأنبار.
وأكّد هؤلاء أنّ عدّة ميليشيات سرّحت عددا من مقاتليها، خصوصا من المتطوعين الجدد، فيما استدعت العناصر الأقدم والأكثر تدريبا إلى حيث مقرّات قادتها تعزيزا لحماية هؤلاء القادة في ظل توقّعات بإمكانية اندلاع نزاع مسلّح بين فصائل شيعية بسبب تصاعد الخلافات بين القادة السياسيين.
كما لا ينفصل هذا الإجراء عن الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها الميليشيات نظرا لتخفيض حكومة بغداد لمخصّصاتها المالية إلى أقل من النصف بسبب الضائقة المالية الشديدة التي يواجهها العراق مع التراجع الحاد في أسعار النفط.
وفيما دفع كريم النوري الناطق باسم الحشد الشعبي بفرضية أن يصدر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني فتوى جديدة تقضي بحل الحشد قريبا عقب الانتهاء من معارك بيجي وعودة المقاتلين الشيعة إلى مناطقهم وبيوتهم، حذّر نائب رئيس الوزراء المستقيل بهاء الأعرجي من تحول الصراع السياسي السائد بين الأطراف الشيعية حاليا إلى اقتتال في الشوارع، معترفا بأن حزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري تخوض صراعا سياسيا، وثلاثتها تستند إلى ميليشيات مسلّحة.
معركة بيجي .. هل هي الاخيرة للحشد؟
ولا يستبعد البعض أن تكون معركة بيجي التي دارت مؤخرا وأفضت إلى استعادة القضاء الواقع بمحافظة صلاح الدين ويضم أكبر مصفاة للنفط في العراق، آخر معركة للحشد الشعبي ضدّ داعش، نظرا للصراعات والأزمات سالفة الذكر، ونظرا أيضا لوجود تصميم من قبل الولايات المتّحدة التي ترى في الحشد الشعبي “جيشا إيرانيا داخل العراق”، على عدم السماح لذلك “الجيش الطائفي”، بالتقدّم إلى مناطق داخلة ضمن اختصاص قوات البيشمركة الكردية وأبناء العشائر السنية في شمال محافظة صلاح الدين ومحافظة كركوك ومحافظة الأنبار.
وتؤكّد مصادر عراقية أنّ عدم التقدّم في معارك الأنبار بالسرعة الكافية مأتاه انتظار اكتمال تدريب القوات العراقية وتشكيل “حشد وطني” مكون من مقاتلين سنّة تعمل الولايات المتحدة على الزج بهم إلى جانب القوات النظامية في معارك تحرير مناطقهم من تنظيم داعش.
وتمت الإشارة بوضوح إلى دور هذا الحشد في اجتماع ضمّ رئيس ائتلاف “متحدون للإصلاح” في العراق أسامة النجيفي، ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني نوقشت خلاله الاستعدادات لمعركة نينوى ومركزها مدينة الموصل. وورد في بيان صادر عن مكتب النجيفي أنّ الأخير التقى “رئيس إقليم كردستان العراق، وجرت مناقشة التحضيرات والاستعدادات لمعركة تحرير نينوى، كما تم بحث موضوع التعاون بين الحشد الوطني وقوات البيشمركة تمهيدا للمعركة الفاصلة”.
القوات الامريكية تدرب بدائل
وغير بعيد عن سياق تحجيم دور الميليشيات في الحرب بالعراق أعلنت وزارة الدفاع العراقية أمس أن القوات الأميركية أنهت تدريب آلاف الجنود العراقيين على مختلف فنون القتال ومن ضمنها حرب الشوارع لتعزيز قدرتهم على قتال تنظيم داعش.
وقالت الوزارة في بيان إن “القوات الأميركية أشرفت على تدريب 4800 مقاتل ضمن تشكيلات لواء 73 قيادة الفرقة الـ15 في الجيش العراقي”. وأضافت أن الجنود، الذين تلقوا التدريبات في أربعة معسكرات في قضاء التاجي شمالي بغداد، سينخرطون في جبهات القتال ضد تنظيم داعش.
ومن جهتها نقلت وكالة الأناضول عن إسكندر وتوت عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي قوله إن “الجانب الأميركي وسّع حجم الدعم المقدم للجانب العراقي في الحرب على تنظيم داعش”، مضيفا أن “زيادة الدعم الأميركي جاء بعد إعلان التنسيق الرباعي”، في إشارة إلى المركز الاستخباراتي الإيراني السوري الروسي العراقي المشترك الذي أنشئ في بغداد، ونظرت إليه الولايات المتحدة بعين الريبة باعتباره محاولة لتحجيم دورها في العراق.
وأوضح وتوت أن “المقاتلين الذين انهوا تدريباتهم بإشراف الجانب الأميركي سيستخدمون في المعارك بمحافظة الأنبار وكذلك في المعارك اللاحقة بمحافظة نينوى شمالي البلاد”.