19 ديسمبر، 2024 12:00 ص

الأقرب الى الواقع ..الحرب الطائفية في المنطقة ونظرية الفوضى

الأقرب الى الواقع ..الحرب الطائفية في المنطقة ونظرية الفوضى

تفاقمت الأخطاء في النظام السياسي والاجتماعي في العراق . وتسارعت للصعود الى أعلى مستوياتها في العقد الأخير .. فـالنظامين أسسا على قواعد خاوية تهاوت عبر الزمن لأنها تركيبات وعلاجات مؤقتة لمشاكل تاريخية عميقة .

وان النظام الديمقراطي القادم ببريقه من وراء البحار  عقب سنة 2003 جاء ليكشف الاختلاف الكبير في وجهات النظر  والقدرات المتواضعة في الإدارة  . كما يستثمر التهرؤ  الكبير في المساحتين السياسية والاجتماعية ليستكمل مشروع الكانتونات في المنطقة ويكون عقبة بوجه الإرادات الوطنية إذا ما حاولت أن تطل برأسها في يوم ما ..

حيث استقطب ثلة من الأحزاب التي لا تمتلك رؤى حقيقية أو مشاريع وطنية للبناء بقدر ما تعمل على استنزاف طاقات وثروات البلدان . وقد اعتمدت هذه الكيانات على محاكاة الشارع بصبغات دينية وتجهيله من اجل البقاء بالأبراج العاجية التي خلقوها لأنفسهم .. وهم ربما لايدركون أنهم أدوات أخرى لتنفيذ مشاريع معقدة في المنطقة .

وفي الآونة الأخيرة برز دور المرجعيات الدينية بشكل جلي والتي رافق خطاباتها أعلام مكثف لتعزيز القداسة في النفوس لكي يرى ويعتقد المواطن بان ما تقول المرجعيات هو تنزيل من الله  أو إيحاء لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..

 وان تاريخ المرجعيات الدينية مولع كثيرا بالتضخيم الإعلامي وبأسلوب الانتشار من خلال الاختباء .. أي إن المرجعيات غالبا ما ترفض الظهور عبر وسائل الإعلام ولكنها لا تنكر التلميع المستمر لبعض قياداتها من خلال المنابر والإشاعات مستغلة إن الإنسان ميال لما يجهل .. فعدم ظهور رجال الدين الكبار للواجهة مدعاة لتلميع الصورة بشكل أفضل ..

وقد وقعت هذه المرجعيات الدينية سواء كانت السنية منها أو الشيعية فريسة الإعلام الغربي الذي أوقعها في الشراك التي تنصبها للعامة .

فبادر الطرفان الى معاداة بعضهما البعض من خلال التشجيع والترويج للشعائر المختلفة ومنها شعائر الزيارات التي أخذت تستفز بقوة الطرف الآخر . حيث صار تجار الحروب ينددون بهذه الطقوس التي اعتبروها ناقوس الخطر . وان المد الشيعي سوف يصل الى بيوتهم ليقتلهم فيها . رغم إن  المواطن الشيعي الذي أضفى لهذه الطقوس قوتها لايؤمن بغير البركات التي تنزل عليه من خلال الزيارة ولا يستهدف الضرر بأي كائن في الوجود .

 

من هنا  أخذت الحرب تطل برأسها في العراق لتشعل بعد ذلك المنطقة بالكامل . فانطلقت التظاهرات في الانبار والمحافظات ذات الأغلبية السنية . لتستمر وتسمى ساحات الاعتصام .. التي وقف فيها رجال الدين يصرحون بلا مبالاة  بالعداء بين الطرفين الكبيرين في العراق . وليصطف كل طرف مع بعده الاستراتيجي وحليفة الرسمي . فكانت السعودية ودول الخليج وبعض الدول العربية التي وجدت فرصتها السانحة في التخلص من بعض مجرميها ودفعهم بمسمى الجهاد في العراق . وكانت إيران تقف في الطرف المقابل تذود عن الشيعة  تعبويا وماديا .

 

فأعلنت رسميا وبمباركة دينية الحرب الطائفية التي كانت الخطوة الأولى باتجاه التقسيم على أسس دينية .. حيث انتهى والى الأبد دور المؤسسات الأمنية المهنية والوطنية وبرز إلى الوجود الحشد الشعبي الذي هو بمثابة الجناح العسكري والأمني للطرف الشيعي في معادلة العراق الجديد .. وهذا أعطى شريعة أيضا الى داعش كونه المسمى العسكري للسنة ..

ولكون المعادلة بالقياسات الحسابية غير متوازنة فهنا لدى الشيعة موارد بشرية كبيرة تتمكن الكيانات من تحشيدها متى تشاء . ولديها رئاسة الحكومة التي لديها صلاحيات غير محدودة . بالإضافة الى إن ظهور داعش القريب واستخدامه البطش والتنكيل باعدائة وكونه سليل تنظيم القاعدة . وتصنيفه ضمن المؤسسات الإرهابية في العالم . مما دفع المجتمع الدولي للوقوف بالضد من داعش في استيلاءه على الموصل .

 كما إن البعد الاستراتيجي للشيعة والمتمثل بإيران وما تمتلك من قوة عسكرية . وتدخلها المباشر في العمليات العسكرية مع الحشد الشعبي بل وقيادة الحشد الشعبي . كل هذا دعى الى أيجاد توافق جديد يقلب المعادلة بشكل جذري ويخلق توازن بين الطرفين لكي تبقى الحرب بلا خسارة ولا ربح ..

وهنا استخدمت للمرة الثانية المرجعية الشيعية كأداة لتحقيق هذا البرنامج .. فلما أعلن بخجل عن الحشد المدني لمحاربة الفساد . سارعت المرجعية لمباركة هذا العمل من حيث لاتدري مما شتت الانتباه عن داعش والحرب المزعومة ضدها ومشروع تحرير الموصل والانبار . وهذا  أعطى  الفرصة لداعش ومن معه  للعمل بالخفاء لتعزيز قواته المتهالكة .. خصوصا وان الشيعة غالبا ما يمتعضون من فكرة الهدنة لكون أدبياتهم الموغلة في القدم ترفضها ..

فانطلقت التظاهرات في الجانب الشيعي من العراق تطالب بالإصلاح . مما اضعف الدور الحكومي الذي اخذ يتخبط في خضم التحديات الكبيرة . وصار الإعلام يعمل وفق استراتيجة الإلهاء . لافتا  أنظار الجمهور عن المعارك الدائرة بين الطرفين ولكي يسدل الستار عن حرب تحرير الموصل والانبار  التي تشدقت بها الحكومة والحشد الشعبي أيضا .

والغريب إن إيران في هذا الوقت وبعد عشرات السنين من المحاولات المستميتة تمكنت من توقيع الاتفاق النووي واستطاعت أن تحصل على عضوية النادي النووي ضمن الدول المعدودة في هذا النادي . فما الذي جرى حتى تتساهل الدول الكبرى التي كانت تستخدم الفيتو ضد إيران طوال هذه السنين ؟ ولماذا وبعد هذا الاتفاق تراجع دور إيران السياسي واللوجستي والإعلامي أيضا في دعم قضايا الشعوب المنضوية تحت خيمتها الدينية الكبيرة ؟ ولماذا يتظاهر الشعب اللبناني والشعب العراقي ويخفت الصخب الإعلامي عن العمليات العسكرية في اليمن ؟

نعم لقد استخدمت إيران اذرعها للحصول على مكتسب كبير في هذا الاون المعقد . ونعم استخدمت السعودية تأثيرها في الحصول على امتياز الانفراد بتصدير النفط والبقاء في قيادة المجتمع العربي . ولكن ماذا جنت الشعوب العربية والدول العربية بالمقابل من النفوذ ين السعودي والإيراني في بلدانهم ؟ فهذا العراق صار ريشة في مهب الريح تتقاذفه الإرادات ولا يتمكن الجمهور من الاتحاد في مواجهة الأخطار المحدقة به . وتلك لبنان لازالت تعيش في تناحر وتمزق واضطراب . وهناك اليمن تضطرم فيها نيران التدين والتطرف .

إننا نتحرك في دائرة حرب سجل لها أن تدوم طويلا وربما لاتبقي ولا تذر ..