20 ديسمبر، 2024 11:49 م

هل أصبحت الدولة العراقية دولة سّارقة ؟

هل أصبحت الدولة العراقية دولة سّارقة ؟

بداية مقالي لا ينصرف للمسؤول الحكومي او البرلماني او السياسي وغيره؛ النزيه المهني، وأقول:
للسائل أن يتساءل في نفسه وأن يسأل غيره: من تكون هذه الدولة السارقة؟ من وصفها بهذه الصفة القبيحة التي تجعل الموصوف بها يتوارى عن الناس إن كان بشرا سويا؟ وهل هذه الدولة مظلومة عندما وصفت بذلك..؟
أما الدولة الموصوفة بالسرقة فلا يحتاج الأمر إلى كثير تفكير لمعرفتها، فهي دولة ليس فيها وزارة او مؤسسة او هيئة الا ونالها الفساد، وليس هناك فاضحا من الفضائح الا وارتكب في عهدها، ولا جريمة من الجرائم، ولا كبيرة من الكبائر إلا أتت منه في العراق.
ولو كان هذا السارق او المجرم شخصا واحدا لقلنا إنها سَوْرَةُ غضب استحوذت عليه، أو لقنا لعلّ مسًّا أصاب عقله، لكننا امام جيش جرار من السراق للمال العام والخاص، انتفخت بطونهم من خيرات العراق، واحمرت وجوههم من نعيمها، واوغلت أيديهم في دماء الأبرياء.
هل الدولة العراقية مظلومة عندما وصفت بـالدولة السارقة ام أنها غير مظلومة؟
أكبر دليل على انها سارقة هو أن ذلك الوصف لم يأت من أعدائها ولكنه جاء من أبنائها (متظاهرين وغير متظاهرين)، فـشهد شاهد من أهلها، وجاء من تقارير المنظمات الرصينة ومن تصريحات المسؤولين والبرلمانيين ومن وقائع باتت عرفا معروفا ومتداولا.
إن السرقات أشكال وإن السّرّاق أنواع، وإن أهون السرقات هي سرقات الماديات، وإن أشنع السرقات وأخس أنواعها هي سرقات المعنويات، وإن اللص(الفرد) لهو أبسط اللصوص، وإن اللص (الدولة) لهو أرذل اللصوص، وإن سرقة فرد واحد لهو جريمة كبيرة، وإن سرقة شعب كامل لهو أكبر جرما، خاصة سرقة هويته وتاريخه ووطنه.
لا أريد أن أصدع رأس القارئ بإيراد أرقام المسروقات، وعلينا نحن العراقيين الأحرار، أن نذكر ذلك ونذكِّر بها صبحا وعشيا وحين نظهر، ولنورثه لأبنائنا وأحفادنا، وإيانا أن نغتر بألسنة لصوص الأموال فقد بيضوا الأموال المسروقة، ويسعون إلى (تبييض) وجوههم، ووجه الدولة السارقة، ووجوه السراق الاخرين السارقين.
الدولة (رغم توقّحها بأنها دولة مبادئ، وقوانين وقيم)، سارقة وفيها فساد مروع ومحسوبيات صحيح ….ولكن:
لماذا الشركات الخاصة بكافة أنواعها من اتصالات الى تجارة وغيرها سارقة وفيها محسوبيات….؟
لماذا أصبحت المستشفيات الحكومية رديئة (خدمات وجودة) والمستشفيات الخاصة جزارين وتجار….؟
لماذا اكثر الاطباء ماديين وعديمي الرحمة والانسانية…؟
لماذا قسم من المحامين كذابين ونصابين ويتاجرون ببؤس موكليهم وينظرون لمهنتهم (رسالة العدل وملاذ المظلوم) بانها تجارة ونصب واحتيال على المواطن….
لماذا أصبح قسم من القضاة يحكمون وفق انتماءاته الطائفية والسياسية وينظرون لمهنتهم الجليلة العظيمة بانها يجب ان تستمر لأجل معيشة عوائلهم مهما يكن الاداء؟
لماذا كثر أصحاب الشهادات العليا المضروبة والمدفوعة الثمن ومنهم فشل في الحصول على الثانوية العامة؟
لماذا أصبح أكثر الدراويش والسادة وأصحاب العمائم البيضاء والسوداء وشيوخ العشائر دجالين وتجار دم؟
لماذا غالبية المحلات التجارية سارقة وغشاشين….؟
لماذا أصبح غالبية الصيادلة سراق وطماعين….
لماذا الصديق يسرق صديقه ويقول الوقت يتطلب هكذا..؟       لماذا لماذا كثيرة ومتشعبة…
يغطي الفساد العراق كله، حسب تقرير “منظمة الشفافية الدولية”، ولكن يبقى القضاء والديمقراطية وحرية الرأي، هما الوسائل الأكثر نجاعة لمحاربة الفساد، والديمقراطية وحرية الإعلام بشكل عام والقضاء بشكل خاص يسمحان في الكشف عن الفساد والمفسدين، وفضح عملياتهم، وليس التكتم عليها وإبقائها في زوايا مظلمة، بل يراقب، ويحاسب، ويعاقب.
وهل هناك نهب وسرقة، بعد هذا النهب، انه سرقة وطن بأكمله من أصحابه، وهم الشعب العراقي؟
وكيف يُؤتمن عهدٌ على تنفيذ ما قيل عن “الإصلاحات ومحاربة الفساد والفاسدين” الأخيرة؟
ومِنْ أجل مَنْ هذه “الإصلاحات”؟ هل من أجل الشعب والوطن المسروق والمنهوب، أم من أجل تثبيت دعائم حُكم السارقين والناهبين؟  لاسيما ان تلك الإصلاحات بقيت تراوح مكانها بين البرلمان والحكومة تحت عنوان إعطاء تفويض او سحب تفويض، ولم نسمع في أي دستور او قانون او نظام دولة ما، بان هناك سحب او منح تفويض تشريعي من البرلمان لسلطة تنفيذية.
الدولة القانونية لا تسرق:
لقد أصبحت لدينا وزارات يترأسها وزراء وبطانة فاسدة لديهم توجه عام توجه نحو تحقيق المصالح الشخصية التجارية أولها اخذ عمولات كبيرة من كل شركة أجنبية تأتي للعمل في العراق هذه العمولات افسدت أي مشروع او عمل ممكن تنفيذه في العراق.
 في منطق الدولة القانونية لا مكان للمجاملات الشخصية، ولا وظائف على حساب الاخلاص والامانة والكفاءات، بينما في منطق الفوضى من السهل تقديم الابله لضرب من الصدفة، والشاطر (النصاب والحرامي) لمجرد التسلق والوصول الى الغايات، والرعديد لطاعته العمياء لقيادة العصابة والمجموعة والحزب والدول.
في منطق الدولة القانونية غير السارقة ليس من السهل وجود الثغرات، ولا ابواب تجدها مفتّحة لدخول المليشيات والسراق والقتلة والغرباء واجترائهم على الهيبة والوطن والثروات، كما انه لا يمكن تسرب يد سارقة لجيب التعبان او خطف مواطن بزي رسمي بلا سيف السلطان حاضرا لقطعها وبدون الالتفات للومة لائم من العالمين، بينما في منطق الفوضى يُجترأ على السلطان، وتفسد الدولة وتنتهك حقوق وحريات شعوبها من أجهزة امنية ومليشيات ترتدي الزي الرسمي ويطول لسان الرويبضة، وتمتد يد السارق بلا خشية حتى من فقد أصبع واحد من اصابعها عندما تعود بالغنيمة.
في منطق الدولة النزيهة القانونية غير السارقة، القوّة هي روح القانون وليس العكس، بينما في منطق الفوضى تكون القوّة هي القانون.
لم يعد للمال العام (حرمة) في العراق، والسبب مثلما يقال في المثل الشعبي ”المال السايب يعلّم السرقة”، وكنتيجة لذلك أضحى ”اختلاس” المال العام أسهل طريقة للثـراء، لكون عملياته وتقنياته متاحة أكثـر من أي شيء آخر.
يكفي الان إدخال كلمة ”اختلاس الأموال او الفساد في العراق” في محرك البحث لـ”غوغل” على شبكة الأنترنت، لتظهر لك آلاف المقالات  والبحوث والتقاريرعن قضايا مرعبة فاقت كل التصورات حول مستويات العبث بالمال العام الذي وصل إليه العراق، رغم وجود هيئة نزاهة وديوان رقابة مالية ومفتش عام؛ لان اكثر الفاسدين هم من يقود الدولة العراقية، بل هم من نفخ في الفاسدين وبثوا الروح فيه وبعثوه من جديد وجعلوا المال العام يتعرّض للنهب وبشكل مخيف.
الدولة سارقة لان المال المسروق وحجم القضايا المتعلقة باختلاس المال العام قد تجاوز حجمها قرابة الالف مليار $، ولم يسلم أي قطاع حكومي ووزاري من حدوث مثل هذه الفضائح المالية، والفساد طال حتى قطاع الشؤون الدينية؛ ووصل الى صناديق التبرعات والزكاة على مستوى بعض الجوامع والمساجد والمراقد، وهو مؤشر على أنه لا الوازع الديني ولا الأخلاقي ولا سلطان القانون أضحت تخيف الأيادي العابثة بالمال العام.
الدولة العراقية السارقة وضعت القانون الوضعي والدستور على الرف وجعلت من الفاسدين فوق القانون والقائد الحكومي او السياسي او الديني بجرة من قلمه أو بفتوى او بمكالمة هاتفية يكون (الفاسد أنظف من النظافة) فهل عندنا (في وطن الشعب العظيم) من يحاكم من سرق اكثر من الف مليار دولار؟
 وهل عندنا من يجرأ على تحريك الدعوة الجزائية بحق رموز الفساد ؟  وهل عندنا كفاءات أمنية وقضائية لمحاكمة من سرق الف مليار دولار؟
ان رقم ألف مليار تسرق على مدى أكثر من عشر سنوات رقم يجعل الغثيان ينتاب أي شخص والقراءة الغبية للأرقام تجعلنا لا ندرك مبلغ الالف مليار دولار، انه ليس كسارق كيس تمن او حذاء من مصلي في المسجد ؟ لو صعدت مروحية، سماء العاصمة بغداد ورمت هذه الدولارات في السماء لغطته ولعاش الشعب في العاصمة وضواحيها لأشهر سعيدا يتقيأ الدولار.
لا يتحمل هذه الجرائم وهذا الفساد من كان من فصيلة البشر ويدعي محبة الوطن، قد يتغير مسؤول وتغلبه نفسه فيسرق خمسون ألف دولار او مليون او مليونين، فهل بلغ السفه وفساد الأخلاق الى ضياع الف مليار دولار، وهي حمل شاحنات وتحت نظر حماة وطننا من كافة الأجهزة الأمنية والسلطات.
ان الفساد في وطني العراق جر لكل المحن والإرهاب ولم يبقي الا شبه وطن، وطن للسراق والارهاب
اننا نحتاج الى قضاء شجاع ومتصدي ويتحلى بالفروسية القضائية العادلة التي تثلج صدورنا بأحكام تطال كل الفاسدين.
اننا فرحنا لما أعلنه رئيس الوزراء من إصلاحات وشدّ على ازره رئيس الدولة العراقية (المدافع عن هيبة الدولة ووقارها) والبرلمان، فرحنا بان الدولة سوف تتحول الى دولة قانونية وتنتزع عنها صفة الدولة السارقة؛ لكننا فوجئنا بعد مدة ان الامر ليس الا حبر على ورق، واننا سائرون ليكون في هذا الوطن الجهل والسرقة والإرهاب هو الأنور.
 ان إصلاحات الدولة العراقية دفعت رجال القانون بخلع جبة المحاماة والعدالة وجعلونا كنسائنا نتابع المسلسلات ونهاية المسلسل ليس (انهزام الشر) بل هزيمة الوطن وهز الثقة عند شعب طيب في دولته يريدها دولة الأخلاق والقيم، لا دولة سارقة، دولة العلم الذي يبني بيوتا لا عماد لها، لا دولة من (قمامة ولاة أمرها) ومن يدعون العلم أو الوطنية أو التدين.
فأي علم أو وطنية أو دين يجعل من فاسدين وزراء وبرلمانيين ورؤساء هيئات وسلطات، أهذه هي النخب والعلم والايمان والوطنية التي ممكن ان تدير دولة مؤسسات؟
فأين كان من يدعون حماية الدولة من الأحزاب السياسية بخاصة الدينية منها صانعة كل الفتن صانعة كل الكوارث والارهاب وهي تغدر الشعب مدعية نشر الفكر والقيم وبناء الدولة الدينية ، أليس بفضل هؤلاء اصبحنا من افسد الدول ؟
لقد دمرت هذه الأحزاب السياسية بكافة اشكالها ومسمياتها الدولة العراقية، فقد: 
(احتقروها واستصغروها، وتهاونوا بأمرها، وغرهم منها طول السكوت والاستسلام، وخالوها ميتة فاستنسروا، وحسبوها جثة هامدة فتنمروا، وراموا الاجهاز على ما بقي فيها من بقة الحياة، حسب ظنونهم فتآمروا وقرروا ما قرروا…………)).
لقد عمل الفاسدين ومن يدعمهم من الأحزاب السياسية على  تقزيم حتى ارثنا الجميل لنلبسه(كل منافق فخور بالرذائل) مع تأليه بشر ووضعهم في سدة تسيير الدولة ليكونوا فرسان تهديم دولة المؤسسات وسرقة مليارات الدولارات من اموالنا وتحكيم أشباه المتعلمين على رقاب علماء الوطن؛ ومهما (شَركنا أفواهنا) عن هذه الفضائح فالأغلبية من شعبنا الأمي وشبه المثقف مشاركة مشاركة فعالة في هذا الفساد والدليل على ما أقول، لقد تحول أي محتال سارق للدولة، من الشاطرين والكلاوجية والمنافقين في نظر المجتمع الى شخص ذو هيبة ونفوذ، حيث استبدل المجتمع  ثقافته الوطنية والدينية بثقافة مسؤوليه (بجعل المال المسروق قيمة اجتماعية) والعلم أو الثقافة أو الدين قيمة لا تتعدى (قيمة بائعة الهوى) لا تضر ولا تنفع بل هي لذة عابرة لتجمل عرش السلطان .
فلو أقمنا دراسة علمية وطالعنا تقارير وقضايا الفساد في العراق لوجدنا (الرمز او القائد) هو من ضرب جيوب الدولة والشعب ولوجدنا أن بطانة هؤلاء هم فرسان الدولة ويدها لإذلال الشعب واخضاعه لأراذل القوم الذين في غفلة من الزمن (وبما كسبوه من مال حرام) أصبحوا أعيان في دولة انحرفت مجالسها ومؤسساتها لاتباع ملة (سراق المال العام بضروب مختلفة من الاحتيال).
وفي الدولة العراقية السارقة تحول كثير من ممثلي الشعب الى سراق ومحتالين وفتحوا مكاتب ليس لحل مشاكل ناخبيهم بل للتجارة والكومشن لقد امتدت أيديهم للمال العام ليكون النائب ممثلا لقيم المجتمع الجديد الذي تسعى أحزاب السلطة لغرسها في مجتمعنا حتى (نتحول كلنا لسراق) وأي (محتال، سارق للمال العام) بطلا.
والخطر ليس في سرقة وضياع الالف مليار دولار في هذا الوطن بل الخطر نقل (هذه القيم والثقافة الجديدة) للأجيال الصاعدة التي هجرت العلم واتبعت ملة هؤلاء المارقين والسراق والقتلة، وبحكم الواقع فان طلاب جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية وعزوفهم (عن طلب العلم وتحصيله) هي القيم والثقافة الجديدة التي ارستها الدولة العراقية السارقة شردت الكفاءات العلمية ومجدت (سراق المال العام) فصاروا في كل مدينة قدوة يتحكمون في مصائر المواطنين لتكون خرابا للدولة.
وحتى لا يأخذنا التشاؤم واليأس والقنوط علينا ألا نستسلم للأمر الواقع ولا نرى الدولة (دولة هؤلاء السراق ومن في ركابهم) وانما هي دولتنا يجب الدفاع عن قيمها النبيلة لتكون دولة العلم والايمان لا دولة اللحى والمتاجرين بالوطنية والدين والإرهاب؛ فارفعوا الرؤوس ومتنوا الصفوف، واشحذوا العزائم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات