20 ديسمبر، 2024 7:04 م

آل الحكيم بين السيف والقلم

آل الحكيم بين السيف والقلم

توجد قاعدة في علم الرياضيات، تقول: الخطان المستقيمان لا يتقاطعان.
حسب فهمي، ان الذي حفظ وجود الشيعة وكيانها عبر التاريخ، هما منهجين أو مسارين من العمل المتواصل:

الأول: العمل السلمي المعارض، إتجاه الحكام الظلمة الفسقة، وكان رائد هذا العمل في الصدر الاول من الاسلام، أمير المؤمنين والزهراء ( عليهما السلام)، وبعض أصحاب الإمام علي عليه السلام البارزين، أمثال: سلمان، وعمار، وأبو ذر الغفاري، والمقداد.

ثم أستمر هذا المنهج من العصر الأموي والعباسي، في الذب، والذود، والدفاع عن الأسلام عموما، وعن مذهب التشيع خصوصا، في إظهار حقيقته، وتميزه عن غيره، ودعمه بالحجج والبراهين، على أيدي الأئمة التسعة المعصومين( عليهم السلام)، وأصحابهم، إلى أن وصل إلى علماءنا، كالشيخ الكليني والصدوق، اللذان حفظا رواياتهم وآثارهم، وكان المدافع الأكبر عن هذا التراث، هو الشيخ المفيد( رحمه الله) بالأدلة الدامغة، ومازال هذا التراث يرثونه علماءنا ويحفظونه،  من جيل إلى جيل.
الثاني: العمل المسلح المعارض، وكان قائد هذا العمل ومؤسسه، إمامنا الحسين عليه السلام، ضد يزيد ـ عليه اللعنة ـو بعد مصرع الحسين عليه السلام، تتابعت الثورات الشيعية والعلوية، ضد حكام الفسق والجور، من بني أمية، وبني العباس، كثورة: التوابين، والمختار، وزيد بن علي، ومحمد ذو النفس الزكية…الخ، فأنتجت دول للشيعة، كدولة: الأدارسة، والعلويين،والفاطميين، وغيرها.

لم ينقطع هذا العمل الجهادي عن علماءنا، في مواصلة المسير لحفظ الأسلام، ومذهب أهل البيت عليهم السلام، ومواجهة الحاكم الجائر، إلى إن قام في عصرنا السيد الخميني( قده)، ففجر ثورته الكبرى ضد نظام الشاه المستبد، وإقامة الجمهورية الأسلامية العلوية، وحذى حذوه الشهيد السعيد، محمد باقر الصدر( قده)، فراح ضحية المواجهة مع السلطان الجائر الغاشم المجرم( صدام)، ثم تسلم راية الجهاد من بعده، عضده المفدى ـ على حد تعبير الشهيد الصدر ـ شهيد المحراب، محمد باقر الحكيم( تقدست نفسه الزكية)، والذي دفع نتيجة عمله الجهادي، ثمن باهض، كلفه العشرات من الضحايا، من أخوته، وبني عمومته.

هناك من أئمتنا عليهم السلام، ومن علماءنا ـ رضي تعالى عنهم ـ من جمع بين المنهجين، أو العملين، ورغم كل هذا، فقد كانوا منفتحين على الآخر، أذا كان هذا الأنفتاح فيه حفظ للأسلام، ولمذهب أهل البيت، وضرب أهل البيت عليهم السلام، المثل الاعلى في نكران الذات، فقد سكت أمير المؤمنين عن حقه، لكن لم يأل جهدا في النصحية للحاكمين لصالح الاسلام.

فعل الإمام العسكري عليه السلام، ذلك ايضاً حينما استجار به المتوكل ـ وهو في سجنه ـ ليدفع عن الأسلام شبهة النصارى في الأستسقاء، وعلى ذلك جرى علماؤنا في مواقفهم المشرفة على تعاقب العصور، حتى دعموا العثمانيين ـ الذين رأت الشيعة منهم الأمرين ـ ضد الأنگليز، وفي الأمس القريب، انفتح السيد الإمام زعيم الطائفة أنذاك( محسن الحكيم) طاب ثراه، على بقية المذاهب في العراق، حينما وقف في وجه المد الشيوعي الإلحادي، هذا ما أجاب به، سماحة المرجع الديني الكبير، محمد سعيد الحكيم( حفظه الله)، عندما سئل عن التعاون والأنفتاح على باقي المذاهب الأسلامية.

على هذه السيرة العلمائية، ومنهجية أئمتنا، سار شهيد المحراب( رضوان الله تعالى عليه)، في مسيرته الجهادية والعلمية، اللتان جمعت عنده، فنفتح على جميع المذاهب الأسلامية، وانفتح في عمله السياسي على جميع فصائل المعارضة، الأسلامية وغيرها، كما لا يخفى على المتتبع لسيرة الشهيد.
هذه المدرسة الانفتاحية، موروث علمي في بيت آل حكيم، لن تتغير ولن تتبدل، وقد رأيناها في السيد عبد العزيز الحكيم( قده)، كيف قدم التنازلات في سبيل وحدة العراق وحفظه، وحفظ مذهب أهل البيت عليهم السلام، وبالرغم من تهميش الحزب الحاكمم لآل الحكيم، لكنه لم يبخل عليهم بالنصح والمشورة، وهذا هو النبل، ونكران الذات بعينه.

تابعهم وأقتفى أثرهم ولدهم، سماحة السيد عمار الحكيم( اعزه الله)، ولا يمكن في يوم من الايام يسمح لنفسه، بأن تلوث عباءة آل حكيم، فدعواته لجمع الفرقاء السياسيين، وجمعهم على الطاولة المستديرة، خلق متجذر فيهم، فقد تتبعت، وراقبت عن كثب، خطابات وكلمات السيد عمار، وحوراته المتلفزة، ولقاءته الصحفية، فوجدتها متطابقة تماما، مع خطب وبيانات المرجعية الدينية، في الرؤية السياسية، فهذا ديدن أبيه وعمه( شهيد المحراب)، وقد نهل من نبعهما.

يقول السيد رياض الحكيم، نجل المرجع الديني محمد سعيد الحكيم:(راهن الكثير من المراقبين ـ وكذلك هاجس الكثير من المحبين ـ على فرضية الصراع والاصطدام بين الشهيد الحكيم، والمرجعيات الدينية الفاعلة في النجف الأشرف… إلا ان السيد الحكيم استطاع منذ اول دخوله إلى العراق، وخطاباته، وتوجيهاته للأمة ان يبدد هذه الهواجس والفرضيات، من خلال الانسجام الكامل بل المتكامل، والتنسيق المطلق، مع المرجعية الدينية في النجف الأشرف، حتى أصبح الظهير القوي والمشاور المعتمد لدى المراحع هناك، وملأ الفراغ الواسع الذي كان هاجس المرجعية الدينية، وهذا يفسر مواقف المرجعيات الدينية هناك، والصدمة المروعة التي خلفها أستشهاد هذا الشهيد الكبير…).

أقول: كلام السيد رياض فعلا صحيح، فعلى أثر أستشاد السيد شهيد المحراب، صدرت البيانات من: (مراجع النجف كافة، وحوزة النجف، ومراجع قم، وحوزة قم، وهييئة علماء جبل عامل، وعلماء الشيعة في السعودية)، وهذا يفسر العلاقة الحميمة، والرابطة القوية بين شهيد المحراب والعلماء، ونادرا ما توجد في سياسي!.

أذن الخط العلمي، والخط السياسي الجهادي، أذا كانا يسيران على ضوء رؤية ومنهجية أهل البيت عليهم السلام، فلا يوجد تقاطع بينهما أبداً، وتصح فيهما القاعدة الرياضية: الخطان المستقيمان لا يتقاطعان.

أحدث المقالات

أحدث المقالات