مما لا شك فيه ومن خلال عملية تشريح مساوئ وعيوب النظام الأميركي الذي يغلّب منطق القوة وسلطة المال على أي شيء آخر سواهما، سنجد بأن هذا النظام قد بني على مجموعة فضائح سياسية بدلا من الدستور الأمريكي الذي يفتخرون به والحرية التي يروجون لها والديمقراطية التي يحاولون تصديرها.
لا يعتقد أحد بأن هذا سيكون تجنيا على نظام استطاع تطوير نفسه بنفسه ليقود العالم بعد ان كان مجرد أرض جرداء استقبلت المهاجرين في نهايات القرون الوسطى، فذلك النظام الرأسمالي قد بنى نفسه على أشلاء ضحاياه ولا زال، ولذاكرة الشعوب الكثير من المآسي التي يرويها لأجياله.
لم يكن الرئيس ريتشارد نيكسون ليتخيل بأنه سيكون مادة دسمة لحقبة من تاريخ امريكا الأسود، عندما تورط في فضيحة “ووترغيت” التجسسية التي كانت السبب الرئيس في ضياع فرصة ترشحه للمرة الثانية للرئاسة الامريكية، ولغاية اليوم يتحدث عنها الإعلام كلما ارادوا استذكار سياسات أمريكا المعاصرة.
حقبة أخرى من ذلك التاريخ المليء بالفضائح المثيرة، فبعد ان قفز رونالد ريغان من استوديوهات هوليوود إلى البيت البيضوي في البيت الابيض، تورط هو الآخر في فضيحة تصدير الأسلحة لإيران أبان الحرب العراقية الإيرانية بما سميت حينها بفضيحة “إيران كونترا”، في وقت كانت أمريكا تعلن العداء لإيران بوضوح تام، تلك الفضيحة التي حملت مبررات غير مقنعة كون الجهات التي وقفت خلف هذه الصفقة بررتها باستغلال عائداتها المالية لدعم الحركات المناوئة للحكم الشيوعي في نيكاراغوا.
أغتيال جون كنيدي ربما كانت وصمة العار التي لم تطال دول العالم الأخرى، لكنها أماطت اللثام عن صراعات داخلية للقوى المتنفذة في السياسة الخارجية الأمريكية، البنتاغون والاستخبارات الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، وبالرغم من تحميل الجريمة لشخص بعيد عن أحداث الجريمة والذي أغتيل قبل أن ينفذ فيه حكم السجن فإن تقارير إعلامية كثيرة ربطت عملية التخلص من كنيدي بسبب تعنته وإصراره على مواقف تضر باسرائيل، وأخرى بسياسات امريكا أبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، لكن الغموض لا زال يلف تلك الحقبة التي يتذكر فيها الشعب الامريكي رئيسه كضحية هذه المرة، لكنها لم تخرج خارج إطار المؤامرات والدسائس التي تقودها الإدارات الأمريكية الثلاث.
وأخيرا وليس آخرا، ربما شكلت حقبة الرئيس بوش الأبن الحقبة الأخس والأوضع في تاريخ أمريكا المعاصر، ليس لأنه استهدف العراق ودمره وأنهى حقبة وطنية يشهد العالم تطورها وقوتها في المنطقة فحسب، بل لانه وإدارته استخدموا أحط الطرق والأساليب في عملية الاستهداف، ليكتشف العالم ما حاول العراق قوله من قبل، عندما روجت إدارة بوش الأكاذيب والتهم الباطلة ضد قيادة العراق الوطنية في سابقة خطيرة من التدليس المكشوف وسط سكوت مخزي من المجتمع الدولي وكأن ما تقوله أمريكا هو الحق دوما.
هذه الحقبة ستكون الاقوى في تاريخ الفضائح الأمريكية، فما سبق من فضائح لم تكن سوى صراعات دولية تجري تحت الطاولة، لم تخلف ضحايا أمريكان أو خسائر مادية تصل إلى ترليونات الدولارات، ولم تعرض الكرامة الأمريكية لكل هذا الإذلال الذي نشاهده اليوم بالرغم من مرور 13 عام على الاحتلال، ذلك الاحتلال الذي أجبر الكثير من القادة والمسؤولين الأمريكان والغربيين للاعتراف بخطأ قراره، ونتائجه الكارثية على العالم كله.
آخر هذه الاعترافات والتي دعتنا لكتابة هذا المقال ما جاء على لسان بوش الأب الذي حاول فيه الدفاع عن قرار أبنه بوش الصغير باتخاذ قرار الحرب، والذي حمّل فيه المسؤولين في إدارته بالكذب عليه وتزوير الحقائق حول العراق، وجاء هذا الإعتراف بعد أيام من إعتراف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي قال بأن الحرب على العراق كان خطأً، وكذلك جاء متزامنا مع موت أحمد الجلبي عراب الاحتلال ومروج ذات الأكاذيب التي أشار لها بوش الأب في تصريحه.
في الحقيقة لم يكن احتلال العراق سوى اللعنة التي أصابت أمريكا والتي تدفع ثمنها في اقتصادها وسياساتها وكرامتها، بل هي الفضيحة الاكبر عبر التاريخ بسبب ما خلفته من ضحايا وخسائر لأمريكا، ناهيك عن ضحايا الشعب العراقي، والتي سيكتب عنها التاريخ مطولا، وسيذكرها الشعب الأمريكي كلما شاهد آلاف المعوقين وكلما عانى من التبعات الاقتصادية التي ستتفاعل سوءا في المستقبل القريب.