شهدت العملية السياسية في العراق منذ انطلاقتها بعد العام 2003، العديد من الاحداث والتطورات ، تخللتها الكثير من الازمات والسجالات والتناحرات والانقسامات، ومع كل موعد انتخابات جديدة كانت ظواهر الاصطفافات الطائفية والعنصرية نزداد بشكل كبير، حتى اصبحت كل من الطوائف الكبرى السنية والشيعية والقومية الكردية في تكتل طائفي قومي منغلق على نفسه، الامر الذي مهد للمحاصصة وتقاسم المناصب.
بقيت وتيرة هذه الاصطفافات والتخندقات تزداد بشكل مستمر، يصاحبها نهج سياسي منحاز ومتشنج، وتراشق وتهاتر اعلامي واسع، خصوصا بعد انتخابات 2010لتصل الطائفية السياسية الى أوجها، الامر الذي افقد مؤسسات الدولة دورها الاساسي الذي اسست من اجله، وكان البرلمان العراقي حلبة صراع يومية تشتبك فيها التصريحات الاعلامية وتقاذف التهم الجاهزة والمبتكرة، فوصل الحال الى لجوء التكتلات الطائفية لحماية سياسييها وذوي المناصب المنتمون اليها من اي محاسبة او تقصير، حتى وان كان سارقا مفسدا او مجرما، وهذا طبعا احد الاسباب الرئيسة في تفشي الفساد بهذا الشكل المخيف.
وخلال تلك الفترة؛ نادرا ما ترى كتلة طائفية برلمانية تتصدى لمحاسبة مسؤول صغير من نفس طائفتها، اما الان فيبدوا ان الاوضاع بدأت تتغير، وهذا ما بينته جلسة البرلمان الاخيرة والتي شهدت التصويت على قرار ينفي بقيام البرلمان بتفويض اي من اختصاصاته التشريعية الى اي من السلطات الاخرى، وبهذا يكون قد اعلن سحبه للتفويض الذي فهمه العبادي على انه تفويض مطلق له، وقدرة على اتخاذ قرارات دون الرجوع للبرلمان، الامر الذي اعتبره الجميع ومن ضمنهم التحالف الوطني الشيعي على انه عدم ثقة في قدرة العبادي على انجاز شيء ايجابي، وخوفا من اتخاذ رئيس الوزراء قرارات ينقل الاوضاع الى درجة اسوأ مما هي عليه الان.
وهنا نقول؛ ان التحالف الشيعي وفي سابقة ملفتة، شارك في كبح جماح العبادي الذي يشغل المنصب الابرز للشيعة في العراق من تمرير اصلاحات منفردة دون المرور للبرلمان،وهذا ربما ياتي من خلال مرحلة الهدوء الذي شهده مجلس النواب خلال رئاسة الجبوري، والطريقة المعتدلة وغير الاستفزازية في ادراة الجلسات، والفتور الكبير للحرب الاعلامية بين البرلمانيين، وربما تكون ايضا انطلاقة لمرحلة جديدة من الانسجام بين الكتل داخل مجلس النواب والذي يوصل بالنهاية الى مرحلة الايجاب التي تمنح البرلمان دوره الرئيسي في مراقبة الحكومة ومحاسبة المقصرين والمفسدين وكذلك ستتيح فرصة سانحة للاتفاق حول القوانين المعطلة والتي تنتظر التشريع.