تعبتر التجربة الأفغانية من أهم وأول التجارب الميدانية للحركات السلفية الجهادية ، كما تعتبر من أهم مصادر الإلهام لباقي الحركات الجهادية التي نشأة بعد تنظيم القاعدة – الممثل الأبرز للتنظيمات السلفية الجهادية – وقد اكتسبت أفغانستان هذه الأهمية كونها وفرت للمجاهدين أول مأوى للتجمع والتدريب وإعداد الكوادر الميدانية التي نجحت فيما بعد في تأسيس تنظيمات فرعية للقاعدة في باقي أنحاء العالم .
إن الظروف الموضوعية المتمثلة في المجتمع الأفغاني المسلم المعبأ بروح الجهاد وكذلك الفوضى الأمنية وغياب سلطة الدولة وعدم وجود الملاحقة الأمنية ، كلها كانت من عوامل تحقق المأوى أو ما يسمى بأرض الهجرة .
إن أول شئ توفره ارض الهجرة للمهاجرين إليها هو الحرية والأمان من الملاحقة ، وهذا يعطي المتسع والفسحة للمقاتل أن يمارس ما يشاء ويتعلم ما يشاء من فنون القتال والتعبئة الروحية والدينية والأمنية ، ليصبح مؤهلا لتأسيس وقيادة مجاميع وخلايا مسلحة في بيئات أخرى سواء كانت بلاده التي جاء منها أو في أي منطقة ينتخبها التنظيم الأم .
ان كل التنظيمات الجهادية التي تفرعت وانتشرت في بلداننا هي انطلقت من ارض الهجرة (أفغانستان) التي اعتبرت المغناطيس الجاذب لكل الجهاديين في العالم ، لتؤسس أراضي هجرة مشابهة في عدة بقاع في العالم وخصوصا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، كتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب وأنصار بيت المقدس ونصار الشريعة في شمال أفريقيا وقاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي وجماعة أبو سياف في شرق آسيا وغيرها .
بناء على ما تقدم فانه لابد من وجود ارض هجرة وتمكين لكل تنظيم ليصبح مركزا للاستقطاب والجذب للمقاتلين الأجانب من كل حدب وصوب .
يلاحظ إن بعض الدول والفاعلين الدوليين يعملون دائما على تأسيس أراضي هجرة للجهاديين من خلال خلق أجواء توفر العوامل الرئيسية للأرض وهي خلق فراغ امني في بيئة ومجتمع مسلم معبأ بروح النزاع والتناحر الطائفي او العنصري ، وبعد ذلك يسهم ذلك الفاعل الدولي في توفير التسهيلات لنقل الجهاديين إلى تلك الأراضي والأمور اللوجستية ، لتقوم مجاميع الجهاديين بممارسة خططها وجهادها عبر عمليات النكاية وإدارة التوحش ومن ثم التمكين ثم الاستقطاب ونقل التجربة إلى بيئة أخرى .
كل ذلك تساهم به هذه الدول لتحقق غايات جيوسياسية وتعمل على إسقاط الأنظمة والقضاء على جيوش وأنظمة سياسية او لتحقيق مجال حيوي وعمق استراتيجي لها على تلك الأراضي ، وما مشروع ( الربيع العربي ) إلا احد تلك الممارسات والمشاريع والتي اضطلعت دول الخليج العربي كالسعودية وقطر والإمارات به كما فعلت ذلك في أفغانستان من قبل ولعبت دورا رئيسيا في تأسيس أراضي هجرة وتمكين ولاتزال تمارسه الى الان تساعدها في ذلك تركيا كما ساعدتها باكستان من قبل وذلك لتماهي المصالح والاهداف.
إن الأحداث الحالية تشير إلى إن العراق بجيشه وحشده الشعبي وعشائره وتلاحمه ماضي في إنهاء مسالة ارض الهجرة على ارض العراق وحرمان داعش منها ، كما إن تقدم الجيش السوري العربي على عدة جبهات وتحقيق تقدم في تحرير الأراضي من نير المسلحين بمساعدة القوات الروسية هو الآخر يمثل قرب نهاية ارض الهجرة ومشروع أفغنة سوريا . بالنتيجة فان ذلك يساعد على انهاء مسالة تدفق المقاتلين الأجانب إلى ارض سوريا والعراق ، وهذا سيمنع داعش من إدامة عمله المسلح وستتوقف نجاحاته العسكرية وسيفقد الأراضي التي يسيطر عليها بوتيرة متسارعة لأنه ببساطة سيفقد المادة الأولية لديمومته وهو المقاتلين اللذين لا يعوضون ، كما ان الفاعلين الدوليين سيفقدون مصالحهم ويفشلون في تحقيق الأهداف التي يبتغوها في هذه الأراضي .
بقي أن نشير إلى أن دول الخليج العربي باعتبارها الفاعل الدولي المسئول عن هذا التدفق فإنها ملتزمة بان توفر ارض هجرة جديدة لهؤلاء المقاتلين وإلا ستكون أراضيها مرشحة ومنتخبة لتكون ارض هجرة وجهاد ولكي لا تكون هناك حركة ارتدادية للمقاتلين ، كما فعلت السعودية من قبل عندما وجهت الجهاديين نحو أفغانستان لجهاد ما يسمى (الغزو الروسي) عندما بدأت إشارات التحرك السلفي الجهادي والاعتراض الشعبي على مملكة ال سعود متمثلة باحتلال جهيمان العتيبي وجماعته للحرم المكي عام 1979 ، وكذلك لصرف نظر الشعوب العربية عن جهاد اليهود وتحرير فلسطين .
ولانستغرب حينما نسمع أن هناك أخبار عن قيام طائرات سعودية وقطرية وإماراتية بنقل المقاتلين من الأراضي السورية إلى اليمن بعد تقدم الجيش السوري العربي ، وتقدم الجيش والحشد الشعبي في العراق ، فان هذه البلدان مسئولة عن تأسيس تلك الحركات وهي لطالما قاتلت بها في عدت بلدان ، وهي تعتبرها جيوشها الغير رسمية التي تحقق بها أهدافها الجيوبولتيكية وكذلك لتديم التعاون مع حلفائها الاستراتيجيين كإسرائيل والغرب واللذين بواسطتهم حافظت على عروشها ومشيخاتها لعشرات السنين .