23 ديسمبر، 2024 9:39 م

إذن.. بريطانيا بخير

إذن.. بريطانيا بخير

منذ نعومة أظفارنا، دأب معلمونا بدءًا من أيام الدراسة الابتدائية صعودا الى الثانوية، يؤكدون في تعليمنا على موضوع الحفاظ على حقوق الغير وعدم تجاوزها، سواء كنا في الصف ام في الشارع ام في البيت! وكانوا يذكروننا بآيات من كتاب الله، كذلك الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على احترام حقوق الآخرين وعدم المساس بها، ابتداءً من جلوسنا على الرحلة في الصف، الى عدم رفع أصواتنا بشكل يزعج باقي الطلاب، الى كيفية التعامل معهم من دون تجاوز حق من حقوقهم. وعندما نخرج من المدرسة كانوا يوصوننا باحترام الطريق وعابري السبيل. أما في بيوتنا فالتأكيد كان على غض البصر عن الجار، ورعاية حرمته، وعدم إزعاجه، وغير ذلك من التوصيات.

أذكر خبرا كنت قد قرأته في إحدى الوكالات مفاده: في بريطانيا غُرمت طبيبة مبلغ 5000 جنيه استرليني، لتجاهلها إشعارا قضائيا من المحكمة يطالبها بخفض الضوضاء الناتجة عن كلابها التي تسببت في إزعاج الجيران. وذكرني هذا الخبر بحقيقة نقلها لي أحد الأصدقاء المتغربين عن العراق -وهم كثر- ان في نيوزيلاند لايحق لك اقتناء كلب حراسة إلا بعد تقديم طلب الى مجلس بلدية المنطقة، مشفوعا بموافقة جيرانك الأربعة الذين هم عن يمينك وعن شمالك، والذي خلفك والمقابل لك، وموافقتهم طبعا وفق شروط يحددونها، وماعليك إلا الانصياع لها، وحين تبدي التزامك بها، يمنحونك إجازة اقتناء كلب، حتى لو كنت في منصب عال او مركز وظيفي مرموق، او منزلة اجتماعية ذات وجاهة. بل يتوجب عليك اذا كنت كذلك، الالتزام التام بتطبيق القانون بحذافيره قبل الجميع. وهذا الأمر تندرج تحته ايضا أصوات المذياع والتلفاز، فيجب ان لاتتعدى حدود سياج بيتك وإلا فالشرطة والقضاء بالمرصاد. كذلك الحال بالنسبة الى منبه المركبة والعجلات البخارية والهوائية. اما إشارة المرور فيمتثل لأمرها المواطن والمسؤول على حد سواء. وقصة رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل معروفة، حين أركن مركبته في مكان ممنوع وغاب عنها برهة، وحين عاد وجد شرطي مرور يحرر له وصل غرامة، عندها ظن ان رجل المرور لم يعرف انه رئيس وزراء بريطانيا العظمى، فتقبل منه الغرامة برحابة صدر، لكنه فوجئ حين وجد مبلغها (عشرون باون)، فبادر قائلا لرجل المرور: أليست الغرامة محددة بـ (عشرة باونات) أجابه: ان مبلغ العشرة باونات للمواطن البريطاني العادي، أما العشرين فهي بحقك لأنك رئيس وزراء، وكان الأولى بك تطبيق القانون قبل الكل. وكان رد فعل ونستون أن حضنه وقال مقولته الشهيرة: “إذن بريطانيا بخير”. هذا كله وغيره من مواقف مماثلة، يحدث في دول فيها من المسلمين نسبة قليلة جداجدا.

هنا في عراقنا الذي يحتضن مراقد الاولياء والاوصياء من أبناء رسول الله (ص) وتبلغ نسبة الإسلام فيه عالية جدا جدا، وأحاديثهم المأثورة نسمعها ونقرأها أنى نذهب، فما أروع ان نرى في كل ساحة او جزرة وسطية لافتة أو (فلكس) فيه من توجيهاتهم الكثير، أما الأروع من هذا ان نطبق ماقالوه في حياتنا مع جارنا وصديقنا وزميلنا ومن هم بمعيتنا، ونعمل به فهو أولا وآخرا عمل خير في الدنيا، وحسنة تنفعنا في الآخرة، أما الأكثر روعة ان يطبق ذلك كبار ساستنا ومسؤولينا قبل المواطن البسيط، لنقول حينها: “إذن العراق بخير”. وليتهم يتعظون بقول ابي الأسود الدؤلي في بيتيه:

لاتنه عن خلق وتاتي مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم

وابدأ بنفسك وانهها عن غيها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

[email protected]