الاساطير والرموز التأريخية توجد لدى جميع الثقافات. والاسطورة هي غالبا ماتكون اقصوصة تتسم بالمجازية والرمزية وهي من وحي الخيال تتعلق بافراد او ابطال ربما لم يكن لهم وجودا على الاطلاق او تتحدث عن الهة على شاكلة البشر او بشر على شاكلة الكواسر والحيوانات واساطير اخرى عن الهة مثل اله الحب واله المطر وغيرها كما هو موجود في الميثولوجيا الاغريقية. واساطير مابين النهرين كثيرة ومنها الاساطير السومرية والاكدية والبابلية ومن اشهرها الالهة “نمو” و “انكي” وملحمة جلجامش وانكيدو واسطورة الخلق البابلية “انيما ايلش”.
بيد ان بعض القصص لها جذور تاريخية حقيقية لكنها اصبحت اساطيرا لآنها ومع مرور الزمن ابتعدت عن هذه الجذور وحيكت من جديد المرة تلو المرة وشذبت وعدلت واضيف اليها وبمغالاة غير طبيعية بحيث اصبحت شخوصها بمصاف الالهة او انصاف الالهة واحداثها تطبعها مسحة روحانية وبشكل جعلها, وهذا هو المقصود, اكثر قوة لتحريك المشاعر واثارة للاهتمام ولاهداف لاعلاقة لها بشخوصها الاصليين. علما بان حقيقة الاقصوصة الاسطورية من عدمها ليست ذا شأن وليس لها اهمية كبيرة بذاتها لان الاسطورة هدفها الاول عوام الناس اكثر من خاصتهم فالمهم انها تدخل الى قلوبهم و تدغدغ مشاعرهم و احاسيسهم اكثر من عقولهم وتصبح لديهم حقيقة تأريخية واجتماعية وامرا مسلم به ولاجدال فيه. ويساعد في ذلك قلّة الوعي والجهل وسياسات التجهيل الذي تعيشه بعض الشعوب. لذلك فليس من المستغرب بأن الاساطير مكتوبة ايضأ باساليب لغوية عاطفية و شعرية بسيطة.
الاساطير, اذأ, لم تسطر للتسلية والترفيه وانما لها وظائف او قل توظف لاغراض دينية وسياسية واجتماعية ومنها نقل وتعليم قيم معينة واضفاء الشرعية والمصداقية على النظم السياسية والاجتماعية واحد الامثلة على ذلك هو وقوف حمورابي وهو يستلم القوانين من اله الشمس كما هو موجود في اعلى مسلة حمورابي. ووضع اله الشمس على راس المسلة يعطي لقوانين حمورابي مسحة دينية واجبة التطبيق ولحمورابي, خليل الالهة, مكانة اعلى من باقي البشر. ولعل السبب الاهم ايضا لظهور الاساطير في القدم هو الحاجة الى تفسير الظواهر الطبيعية وحل الطلاسم وباي شكل كان في مراحل تاريخية لم تكن قد وصلت فيها البشرية بعد الى مستوى كاف من المعرفة العلمية.
لذا فان الاساطير وابطالها ليست مجرد خرافات عابرة بل انها ذات تاثير غير عادي في ذاكرة الجماعات البشرية وفي بلورة هويات المجاميع البشرية. وهي جزء مهم في تاريخ الامم وتراثها واحد مصادر تلاحمها وتماسكها ومبعث فخرها وكبريائها. ومن الجدير بالذكر ان كثيرا من الاساطير اصبحت طقوسا و شعائرا يحتفل بها سنويا بكل ما تعنيه من رموز وما فيها من معان لتأكيد وتقوية وحدة المصير والتأريخ المشترك والطابع الخاص الذي يطبع الامم والجماعات (نحن) الذي يميزها عن (هم) الاخرين. وذلك يعني بنفس الوقت, وهذا امر في غاية الاهمية, ان الاسطورة نفسها تشحذ وتتجدد فعاليتها وتأثيرها بمرور الزمن. واذا استثنينا الاساطير القديمة التي تقام بمناسباتها مهرجانات عظيمة في الهند والصين وجنوب شرق اسيا فان هناك مناسبات اقل قدما لكنها اصبحت بمصاف الاساطير على درجة من القدسية ومن اهم الاعياد على الاطلاق لما لها من اهمية خاصة لبلورة هوية قومية ما (وهي في دور التكوين) وتأكيد وحدتها كما هو الحال مع “عيد الشكر” الامريكي. وفي العالم المسيحي, في شرق الارض ومغاربها, لايمكن تصور احتفالات أعياد الميلاد بدون شخصية سانتا كلوز الخيالية وشجرة عيد الميلاد, والتي تبدو اكثر براءة, وهي امور اوجدت في القرون الاخيرة ولاعلاقة لها من قريب او بعيد بميلاد المسيح ولكنها اصبحت علامات فارقة في الثقافة المسيحية بشكل عام.