18 ديسمبر، 2024 8:23 م

اسئلة صعود داعش وأفولها

اسئلة صعود داعش وأفولها

مطلع الاسبوع المقبل ستمر الذكرى الثالثة على انبعاث داعش، أعنف تنظيم مسلح واجهته البشرية خلال العقود الاخيرة. اذ سيبقى التاسع من حزيران 2014، تاريخاً مفصلياً بالنسبة لشعوب المنطقة، التي أفاقت على كابوس اسمه “الربيع العربي”. بدأ اخوانيا وانتهى تكفيرياً بلون الدم.
حتى نشوب الأزمة السورية لم يكن اسم، “الدولة الاسلامية” الذي تحول لـ “داعش” لاحقا، متداولاً إلا بين دوائر استخبارية وأهالي المناطق الممتدة من الفلوجة الى دير الزور.
ولم تحفل المخابرات الاميركية باعلان قيام “الدولة الاسلامية” في 2006، عقب مقتل الزرقاوي، واكتفت بأخذ أطول جرعة انتشاء احتفالا بنصرها على القاعدة في العراق. وظلت واشنطن حتى انسحابها من العراق أواخر 2011 تتباهى بنجاحها في صناعة “جيش الصحوات” باشراف الجنرال ديفيد بترايوس.
وكحالنا نحن الشعوب المغلوبة على أمرها، تفاجأت اميركا بسقوط الموصل على يد تنظيم ارهابي يقضم أراضٍ واسعة في العراق والشام، ليؤسس خلافته في الرقة والموصل.
وقتها، انشغل العراق، حكومة وشعبا، بصدّ خطر داعش الذي شكل جيشاً متعدد الجنسيات من 100 دولة مسلحا بجنرالات التخطيط والسوق العسكري، وخبراء في قتال الشوارع والحرب النفسية، بالاضافة الى جيش الكتروني عرمرم لا يقل فتكاً عن الجيوش الحقيقية.
لكن بعد شهرين من مواجهة العراق لخطر وجودي، تيقنت الولايات المتحدة من أن سقوط الموصل ليس احتجاجاً شعبياً، ولا انتفاضة سنّية. فالتاريخ الأسود بات يعرض بطريقة البث المباشر. واصبحنا نسمع عن آلاف السبايا، ونقرأ عن عهد الخلافة، وتنكيس الصليب، وفرض الجزية، ودار الكفر والاسلام.
ان الانهماك بحرب التحرير شغلنا عراقياً عن طرح العديد من الاسئلة الجوهرية التي ترتبط بمستقبل البلاد وأمنها.
ورغم الكمّ الهائل من الدراسات والمقالات والتحقيقات والأفلام الوثائقية التي أعدت ونشرت منذ سقوط الموصل، إلا ان كل ذلك لم يقدم إجابات شافية للعديد من الاسئلة التي بقيت طي الكتمان، ويراد لها ان تبقى كذلك.
فلم يُسلط الضوء بشكل صحيح حتى الآن، على العلاقة الخفية بين ضباط الجيش السابق وأجهزة نظام صدام الأمنية، كالحرس الجمهوري والخاص والأمن والمخابرات وحزب البعث، وبين التنظيمات السلفية التي فرضت سيطرتها على مناطق غربي العراق منذ 2003 حتى إعلان سقوط الموصل.
إذ كيف سُمح لهؤلاء الجنرالات بالتنقل والتنسيق طيلة عقد من الزمن، من دون ملاحقتهم او تتبع خطواتهم. واذا كانت الحكومة العراقية عاجزة، وقتها، فلماذا أغفلت الولايات المتحدة هذا الخطر الداهم رغم انها جربت خطورته في معارك الفلوجة والانبار؟!
ومع نجاح جنرالات داعش بالتخفي وراء اسماء وكنى وألقاب مستعارة، ودفع التنظيم الى الواجهة بقناع سلفي طائفي، لم يكشف النقاب، حتى الآن، عن دور المخابرات الاقليمية، ولا الدعم اللوجستي الذي سهل تدفق آلاف الانتحاريين على سوريا والعراق؟
من هنا يُطرح سؤال حرج جدا حول التستر على تنظيمات تحالفت مع داعش عشية سقوط الموصل، وشبكة الخلايا النائمة التي ساعدت التنظيم على بسط نفوذه على 4 محافظات وكانت على علم ومعرفة بساعة الصفر. ما هو مصير النقشبندية؟، والمجالس العسكرية؟
على الجانب الموازي، كيف تضمن الحكومة، وأجهزتها الأمنية، عدم عودة تنظيمات شبيهة بداعش في المناطق المحررة؟ وهل سيتم الاعتماد على نفس التشكيلات الأمنية والعسكرية التي تبخرت في ليلة وضحاها؟
ما هي الإصلاحات التي طرأت على منظومة القيادة والسيطرة لكافة التشكيلات الأمنية والعسكرية العراقية؟ هل لازالت الأوامر والتعليمات يتم اصدارها عبر رسائل الـsms والمكالمات الهاتفية؟
من حقنا ان نتساءل عن كيفية تعامل الاجهزة الاستخبارية مع المعطيات التي توفرت لديها بعد تحرير معاقل داعش في الفلوجة والخالدية، وبيجي والموصل؟ كيف استثمرت ذلك لبلورة استشراف علمي حول مآلات هذا التنظيم بعد هزيمته الوشيكة في الساحل الأيمن من الموصل؟
وفي ظل الانتصار الساحق الذي تحقق على مشروع داعش الذي جاء لتفتيت المنطقة وتقسيمها، كيف سيرسم العراق سياسته الداخلية، وكيف سيكون شكل علاقاتنا الخارجية وفق هذه المعطيات؟
حزمة الاسئلة أعلاه هي ما يجب ان تركز عليها الحكومة والكتل السياسية وأجهزة الأمن لمرحلة ما بعد داعش، والابتعاد عن تشويش الرؤية، وحرف البوصلة بإتجاه أشباح او أعداء وهميين.

*نقلا عن “المدى”