23 نوفمبر، 2024 1:57 ص
Search
Close this search box.

أيامُ الله بين الإحياء الصوري والعزوف الفعلي

أيامُ الله بين الإحياء الصوري والعزوف الفعلي

ربما يرد في الذهن سؤال عن فائدة العبادة بصورة عامة فنقول:ان الهدف من الأعمال الدينية والعبادية أولاً: تجسيد الطاعة والحب والشوق والتقرب إلى المعبود.

ثانيها: هو تهذيب النفس وجعلها في المسار الصحيح

والدليل على ذلك: فعندما يُساءل الإمام الصادق عليه السلام عند الصلاة متى تبتدئ يقول من حيث تنتهي أي تجسيد تلك الأقوال والأفعال العبادية إلى أفعال وسيرة خارجية بين المجتمع أو عن الصوم يقول من صام صامت جواهره إلى أخره, هذا في الإعمال العبادية وكل شيء تأمر الشرعية به فانه يجب علينا إحياءه وتخليده والسير نحو تحقيق أهدافه وأبعاده.

وهذا السؤال يجرنا إلى الوقوف عند أبعاد بعض المناسبات الدينية فنقول:

إن المناسبات الإسلامية التي لدينا اليوم تمثل منطلقا وتأسيسا لحوادث وتواريخ عظيمة ومراحل اختبار مرت بها البشرية.

وان الاحتفال وإحياء تلك الأيام والمناسبات بالشكل الظاهري والصوري أمر جيد ولكن لوحده لا ينفع في تجسيد قيم ومبادئ تلك المناسبة.

فان من الطبيعي أن تقوم كل امة أو مجتمع معين بتخليد رمز معين أو حادثة تاريخية وهذا شيء واضح لنا ولكم, فمثلاً الاحتفال باليوم العالمي للإيدز واليوم العالمي لمرضى السكر واليوم العالمي للإعاقة واليوم العالمي لمحو الأمية واليوم العالمي للتدخين إلى أخره, فانه ليس مهرجاناً واحتفالاً فقط بل يأخذ على عاتقه الحد من تلك الأمراض والعادات السيئة في المجتمع ووضع العلاج المناسب لها ودراسة خطورتها على المجتمع وهكذا.

فان تخليدنا واحتفالنا بيوم عاشوراء وزيارة الأربعين وعيد الغدير أو يوم المبعث النبوي أو يوم المباهلة أو النصف من شعبان أو يوم وغيرها من المناسبات الدينية, بما هو موجود اليوم من التخليد والاحتفال هو أمر جيد ولكنه مختصر على الإحياء الصوري ومن دون النظر إلى أبعاده وقيمه وأهدافه وهذا هو الأمر الخاطئ كما هو الحاصل لدينا اليوم.

فانا نجد بان الاحتفال بيوم المبعث النبوي او بيوم الغدير او يوم النصف من شعبان فهو عبارة عن مهرجانات وابتهالات وأناشيد وأشعار لا غير, من دون النظر إلى أبعاد تلك الأيام وأهميتها في تصحيح مسار الأمة من الانحراف او حادثة يوم عاشوراء التي يقتصر في إحياءها على الشكل الصوري من دون السعي الحقيقي لإحياء مبادئ وقيم الإصلاح التي خرج من اجلها الإمام الحسين.

فلو سألنا أي احد عن الهدف من خروج الإمام الحسين (ع) لقال لنا بأنه خرج من جل إحياء الشريعة وتطبيق أحكام الله تعالى وسنة رسوله والمطالبة بالسير خلف القائد والرمز الحقيقي المتمثل في نهج الرسول (ص) وأهل بيته ولكن هذا على المستوى النظري, وأما على المستوى العملي التطبيقي نجد بان هنالك الكثير ممن يحسب على هذا المذهب الشريف يتخلى عن مبادئه وقيمه وأهدافه وينجر خلف المطامع الدنيوية ويسقط بأي اختيار ومحك يمر به, أو إن البعض لا تهمه مسألة أمر القيادة الدينية التي يتبعها وهذا هو جوهر ما يريده منا الرسول (ص) في إعلان الولاية لعلي من بعده وهي أهداف ثورة الإمام الحسين (ع) التي خرج من أجلها.

ولكننا مع شديد الأسف وقفنا عند النقطة الأولى من الإحياء الشكلي وتخلينا عن الإحياء الحقيقي للنهضة الدينية التي جاء بها الرسول (ص) أو الأئمة عليهم السلام ولم نعمل على تحقيق المطلب الثاني وهو الأهم بكثير من الأول.

لذلك نجد انه لو وجد اليوم طريق يمثل الجانب الأول من الإحياء الصوري للشعائر وطريق أخر يمثل إحياء المبادئ والقيم الحقيقة التي خرج من اجلها الحسين (ع) فانه سوف تتوجه عامة الناس إلى التيار الأول وتترك التيار الثاني وذلك بسبب قلت الوعي والبصيرة والتدبر والحكمة والسير خلف العامة والوقوع في خطط التلبيس والتظليل الممنهج ويُترك الخط الثاني الذي حريٌ بالأمة أن تتبعه وتسير خلفه.

وللتاريخ شواهد على ذلك كثيرةً بدءاً بسيرة الأنبياء ومروراً بالأئمة وانتهاءً بالعلماء المصلحين قال تعالى على لسان موسى عليه السلام (وَيَـقَوْمِ مَالِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ)

وقد ورد في خطبة لأمير المؤمنين يذم فيها أتباعه من أهل الكوفة لعدم نصرتهَم له في احد غزواته ضد معاوية يقول لهم (يا أشباه الرجال ولا رجال! قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً…، وأفسدتم علي رأيِ بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبى طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم ! وهل أحد منهم اشد لها مراسا، وأقدم فيها مقاما مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع)

وما نشهده اليوم من تخلي الكثير من التيارات الدينية عن نصرة لحق وإقامة أحكام الله تعالى خوفا من أن تحسب إلى جهة معينة خير شاهد ودليل على ذلك..

ولو نظرنا إلى أهم المبادئ والقيم التي يريدها منا الإمام الحسين (ع) في ثورة المباركة لوجدناها ترتكز على إصلاح أمر الرعية وإبراز هويتها الحقيقية والسعي في تهذيبها وتزكيتها بالشكل الذي يريده منا الحق سبحانه قال تعالى( هو الذي بعث في الأميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) هذا اولاً.

وثانياً رفض الظلم والفساد والسعي في تغييرهما والجد في حياء تعاليم الدين الحنيف فمن خطبة للإمام الحسين انه قال لأصحابه ( إلا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا, فاني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).

ثالثاً: تحمل الهموم الرسالية والتحرك الجاد من اجل إحياء مشروع الإسلام والدفاع عنه ورد شبهات المضللين , وتوضيح معالم الدين فعن الإمام الصادق عليه السلام قال ( ان العلماء ورثة الأنبياء …. فنظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).

وغيرها كثير مما لا نستطيع ان نحيط به أو نستوعبه, فإذا قمنا بهذه الأعمال فإننا حقيقةً سوف نكون ممن أحياء شعائر الله تعالى وعظمها بأبهى صورة وأكمل وجه وأما إذا وقفنا عند النقطة الأولى فقط فان ذلك سوف لا يجدي نفاً ولا يعمر أرضاً ولا يصلح نفساً.

أحدث المقالات

أحدث المقالات