24 ديسمبر، 2024 7:42 م

طلاسم سلم الرواتب الجديد

طلاسم سلم الرواتب الجديد

خبر مقتضب بثته المحطات التلفزيونية قبل أيام ، مفاده إن مجلس الوزراء وافق على إقرار سلم الرواتب الجديد لموظفي الدولة والذي سيحقق العدالة فيما بينهم ، وفي ذيل الخبر موافقة المجلس على إلغاء كافة المخصصات الممنوحة ضمن قوانين خاصة قبل إقرار هذا السلم الجديد .
هكذا وبهذا الفتور والغموض اذيع الخبر المهم جدا ، والذي يتعلق بمعيشة ومستقبل طيف واسع من الشعب العراقي المقهور ، خبر بهذا الحجم والأهمية يطرح للإنسان العراقي  الذي عانى ما عانى من الظلم والتهميش والحرمان في العقود السابقة ، بهذه الطريقة الضبابية  ، التي تبين مقدار الاستهانة بهذا الإنسان  .

إن عملية التستر والتعتيم اللتان تمارسهما الحكومة العراقية في تعاملها مع مثل هكذا قرار  يتعلق بمستقبل الملايين من موظفي الدولة العراقية ، هو امر خاطئ بكل المقاييس والاعتبارات ، والذي تركهم  يخوضون في دوامة من التكهنات والفرضيات لا طائل لهما ، لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور بالنسبة لمصدر رزقهم الوحيد في هذا البلد المنهك بالحروب والأزمات الاقتصادية والسياسية ، والمضطرب اجتماعيا ،

لكن يا ترى ما لذي تريده الحكومة الموقرة من وراء هذا التعتيم ..؟.

وإذا صح جدول سلم الرواتب الذي تناقلته بعض مواقع التواصل الاجتماعي نقلا عن السيد هيثم الجبوري عضو البرلمان العراقي ، فهل تعتقد الحكومة ان مثل هكذا إجراء سوف يحقق العدالة الاجتماعية ..؟.

 إن ما يجري الآن من تعتيم هو جزء من سياسة الامر الواقع التي ستمارسها الحكومة في اتخاذ وتنفيذ قراراتها التي تراها صائبة من وجهة نظرها ،كجزء من عملية الإصلاح المفترضة ، وهي عملية امتصاص لحالة الغليان  الذي سيولده قرارها الخطير في تغيير نمطية اقتصادية سار عليها جزء كبير من موظفي الدولة  لسنوات ، نتيجة لمنحهم مخصصات عالية ، من قبل الحكومات السابقة ، والتي لم تتغير هيكليتها وشخوصها وطبيعة الأحزاب المكونة لها عن الحكومة الحالية ، فما الذي تغير ، ودعا إلى هذه الصحوة المتأخرة جدا .

وإذا صح سلم الرواتب المتداول حاليا ، فتلك الطامة الكبرى ، الدرجات الدنيا لم يضاف إليها سوى مبلغ بسيط لا يتعدى الثلاثون إلف دينار على راتبها الاسمي ، وباقي الدرجات ستخفض رواتبها بشكل كبير ، على الرغم من إن أصحابها لم يحظوا في السلم السابق بأي امتيازات ، وهذا سيحدث فارقا في دخلها  في ظل الالتزامات الكثيرة الملقاة على عاتق الموظف العراقي هذه الأيام ، وتشظي راتبه الشهري بين ضرائب الماء والكهرباء ، وأجرة المولد الخارجي التي تثقل كاهله شهريا ، بعدما سرقت أموال الكهرباء وترك المواطن تحت رحمة أصحاب المولدات الأهلية ، إضافة إلى غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية ، وأجور نقل الأبناء إلى مدارسهم وجامعاتهم ، ومصاريفهم اليومية ، كل هذه الأمور وضعت الموظف العراقي اليوم أمام تحديات كبيرة وتساؤلات جمة ، الحكومة مطالبة بالإجابة عنها وتوضيح ما يحدث ، موظفي الدولة ليس لهم شغل شاغل هذه الأيام غير الحديث عن هذا الأمر ، حتى أصاب الشلل معظم مرافق مؤسسات الدولة ، هاجس الفقر والعوز يلاحقهم ويعيد إليهم ، أيام الجمر التي عاشوها في الماضي القريب في فترة الحصار الاقتصادي وظلم النظام السابق .

أغلبية الشعب تدرك إن الدولة شبه مفلسة بسبب السياسات الخاطئة للحكومات السابقة ، وما انتجه الفساد الاداري والمالي الذي نهب الدولة في وضح النهار ، وريعية الدولة التي طلت تعتمد على النفط كوسيلة وحيدة لمصدر دخلها ، بعدما أهملت الزراعة والصناعة عن قصد وغير قصد ، لكن يجب أن لا يكون ثمن هذا الإفلاس قوت المواطن العراقي المسكين ، الحكومة الآن ملزمة وعبر قنواتها التلفزيونية الرسمية والشبه رسمية أن توضح للناس ما حدث ويحدث وان تضع النقاط على الحروف ، لهذا الأمر المصيري والمرتبط بمعيشة شريحة كبيرة من الشعب ، وان لا تترك الناس في حالة التخبط التي يعيشونها الآن وهم يحاولون فك طلاسم سلم الرواتب الجديد .