كل يوم نكتشف أسراراً جديد، تشدنا صوب كربلاء، وتحكم فطري غريب، يجرنا للذهاب الى من مات مذبوحاً عطشاناً، وأخيه قطيع الكفين، لنرَعظمة الشقيقين، اللذين قدما للدنيا مع أم المصائب الحوراء زينب (عليهم السلام)، درساً في الإخوة والوفاء، ورسموا لوحة إعجزت العلماء عن تحليلها الى يومنا، وهذا هو سر خلود الملحمة الحسينية، الى يوم يبعثون!
إذا أردنا أن نترك الجانب الديني، ونسلط الضوء على الجانب الإنساني، رغم أهمية التضحية التي قدماها، لثبات الدين الحقيقي، الذي خرجا من أجله، ولكن دعونا نتكلم على أننا بشر، والعوامل الخارقة ثؤثر بنا، خاصة ما يفوق الطبيعة، ونأخذ جانب الإخوي والتضحية بالنفس، التي قدمها الإمام العباس، رغم كل ما قدمه له آل أمية، من إغراءات يضعف إمامها البشر، إلا أن العباس (عليه السلام)، ليس ببشر عادي.
النور العلوي يقبل نوراً علوياً، بدى وكأنه القمر ليلة تمامه، وكل من حضر ولادة أبي الفضل إستغرب، من تقبيل الإمام علي (عليه السلام)، ليد العباس لحظة خروجه الى الدنيا، وكان البيت الطاهر في لهفة، لمعرفة السبب؛ عندها أحضر المرتضى (عليه السلام)، إبنته الحوراء زينب، وقد أوكل كفالتها له، وقال يا بنيتي: إن هذا المولود سيكون كفيل العائلة، في رحلتها الى كربلاء.
زينب يا جبل المصائب، عليك أن تتعزي بعزاء الصبر والحكمة، لأنه حامل لواء أخيك، وستفقدينه بعدما يسطر ملحمة الوفاء، والذوبان والعشق في حب إمامه، وأخيه الحسين الشهيد، فلا تجزعي، وتذكري أن الباريء عز وجل، مْنَ علينا بكرامة الشهادة والشفاعة، فهذا العمل البطولي الجهادي، يليق بالبيت العلوي الفاطمي.
إنها ملحمة نقشها بذاكرة التاريخ، ساقي عطاشى كربلاء، وقادها قمر بني هاشم، فبعد تضحيات إخوته من أم البنين (فاطمة الكلابية)، حان الدور لأبي الفضل الضرغام والشجاع كأبيه المرتضى، قالع باب خيبر، فكانت كما أرادوا، فلا علقمي يجري بلا ابي الفضل العباس، ولا كربلاء بلا حسين، ولا سبي بلا زينب، فيا لثارات الحسين، صرخة نطلقها ابداً ما بقينا.
ختاماً: كربلاء أصبحت أكثر إثارة من المإثور، لأنها قصة وطن، إستوطن في وطن أكبر، وكيان قمري ذاب عشقاً في حب أخيه، فتقابلت قبتاه الذهبيتين أمام العالم، في شموخ وكبرياء، لتسطر ملحمة الأخوة، وتجمع كربلاء بين أبطالها إسطورة الجنون الحسيني، الذي تشرف به أبي الفضل العباس (عليه السلام).