23 ديسمبر، 2024 11:32 م

الفضائية العراقية : برنامج وكر الشيطان يبدأ بلقاءات مشيطنة

الفضائية العراقية : برنامج وكر الشيطان يبدأ بلقاءات مشيطنة

برنامج ” وكر الشيطان ” الذي بدأت الفضائية العراقية في بثه يوم السبت 10|10|2015 والذي يركز على دراسة جذور التجمعات ألآرهابية في العراق وعلاقة تلك التجمعات ألآرهابية التكفيرية بنظام صدام حسين المقبور وببقايا حزب البعث الموتور ؟

وبرنامج من هذا النوع يحتاج في التقديم الى وجوه معروفة بهويتها الثقافية المتخصصة وبتاريخها السياسي الذي لاغبار عليه حتى يكتسب ثقة المتابع وأعجاب المشاهد , مثلما يحتاج هذا البرنامج الى أستضافات لايطالها الشك ولا تقترب منها الريبة , وقبل ذلك يكون أختيار عنوان البرنامج مستوفيا لشروط البحث وقواعد اللغة ومعاني المفاهيم السياسية التي لم تجد أربابا متخصصين يجعلون من الفضائية العراقية متألقة بما يتناسب وتاريخ العراق وهويته الحضارية , وبما يتناسب وألآنفاق المالي الذي يكلف خزينة الدولة العراقية كثيرا دون أن يحقق المردودات ألآيجابية للمهنية ألآعلامية التي أصبحت في العراق يتيمة ومترملة قسرا ؟

لقد كانت الحلقة ألآولى من برنامج ” وكر الشيطان ” التي عرضت مساء يوم السبت مزدحمة بعناوين وأسماء كثيرة لاتعرف فيها أولويات البحث والتقصي فكانت كالطبخ الكثير الذي لم يجد من يعرف كيف يوزعه على مائدة الطعام , والطبخ هنا لم يكن لمقدم البرنامج الدكتور جاسم بديوي غير المعروف ثقافيا وسياسيا وأعلاميا مما يجعل البداية فيها من المجازفة الشيئ الكثير , وظهور مفاجئ من هذا المستوى ليس جديدا على الفضائية العراقية التي أصبحت معروفة بتخمة البرامج وألآسماء التي تشكل عسرا هضميا للمعدة الثقافية والسياسية لمن يعرف عسر الهضم أعلاميا والذي يكتب الفشل لآي فضائية لاتعرف تفادي عسر الهضم الثقافي والسياسي .

أن أحداث العراق ماقبل 2003 وما بعد 2003 كانت الطباخ المتجبر والمتكبر والمتسرع في تقديم الموائد على طريقة البعثيين الصداميين الذين كانوا يختبرون روح ألآجرام عند رفاقهم من خلال وجبات ألآعدام التي تعقبها وجبات الطعام فمن يأكل بشهية يكون قد فاز برضا البربرية والسادية القاتلة , ومن يتأثر من مشهد ألآعدام ويعاني من فقدان الشهية مع ظهور أعراض الغثيان فهو الخاسر لرضا العصابة المشحونة بالشر والكراهية فيكون مصيره التصفيات السريعة لآخفاء شهود العيان عما يجري في كواليس وكوابيس من تدربوا وهم في عمر المراهقة الحزبية والصبيانية على أيد الموساد الصهيوني تحت عناوين مضللة , فالوطنية والقومية وألآشتراكية وضعت مصيدة وكانت شراكا لمن ضيع بوصلة السماء , مثلما أصبحت ألآحزاب الدينية التي لم تتخلص من أمراضها النفسية والسلوكية غطاء للآنحراف الذي يستجمع السرقة والرشا والتزوير والكذب والنفاق حتى أصبح العراق يعاني من وزرين كلاهما متحدين في الشر والخراب هما : القومية وألآشتراكية والوطنية الذين جمعتهم ألآنحرافات عن بوصلة السماء مع تنظيم القاعدة الوهابية وعصاباتها المتشظية على أنفسها ومنها ” داعش ”  نتيجة بنائها الخاطئ الذي لاينتمي لدين السماء ذات الجوهر ألآنساني والحضاري

فألآحزاب الدينية المريضة , وألآحزاب العلمانية المريضة بشقيها القومي وألآشتراكي , والعصابات التكفيرية ألآرهابية التي ألتقت في منتصف الطريق مع العلمانية القومية طائفيا وعمل كل منهما على تذويب ألآخر , أعطى ذلك اللقاء المشحون بعدم الثقة ظهورا وغلبة للجماعات السلفية ذات الجذور الدينية على الجماعات العلمانية القومية ممثلة بحزب البعث في العراق , ونفس الشيئ حدث في التسعينات مابين السيد محمد صادق الصدر ومابين صدام وحزب البعث , مما أعطى صورة ملتبسة عن جدلية العلاقة لازال البعض لايعرف طلاسمها , لآن السيد الشهيد محمد صادق الصدر وجد نفسه محاصرا بغوغاء بعثية سلاحها المراكز ألآمنية التي صادرت حرية الشعب وأصبحت أكبر من سلطة الحزب البعثي والشهيد محمد صادق الصدر كان يمتلك طموحا مشروعا لآستنهاض وعي ألآمة من خلال الشباب وبواسطة المسجد وخطب الجمعة ذات التأثير السحري على القاعدة الشعبية , فنجح السيد محمد صادق الصدر لآنه كان صادقا أولا ولآنه عرف كيف يطوق خصمه ثانيا , ورغم أستشهاده المبكر ألآ أنه زرع وعيا أثمر تيارا هو التيار الصدري الذي لم يسلم من عمليات التسلق للمنتفعين والمتزلفين مما يحمل القائمين على قيادة التيار الصدري مسؤولية شرعية ووطنية في ضرورة تنقية التيار الصدري من الشوائب التي دخلت اليه ؟

بمثل هذه الرؤية وبمثل هذا التحليل المختصر كان يمكن للفضائية العراقية أن تخطو نحو برامج أكثر مهنية وأصدق تخصصا وأقرب الى جذب المشاهد حتى يجعلها منافسة حقيقية للفضائيات الناجحة على قلتها .

أن أستضافة ضابط عمل في شبابه في جهاز ألآمن الصدامي الذي تهاوى بسرعة قبيل السقوط على يد ألآحتلال ألآمريكي الذي لم يدرس بعناية من قبل العراقيين نتيجة موجة الفوضى وألآدعاء التي رافقت مظاهر ألآحتلال ومن معه من الذين أصبحوا لاحقا يعرفون بأحزاب السلطة .

وهذا الضابط الذي كان شابا أثناء السقوط ولم يكن معروفا أسرع بعد السقوط يبحث عن متكأ له , ألآ أن خلفيته وثقافته البعثية غير المتبلورة جعلته لايحظى بثقة السلفيين الذين يشكلون أغلبية حزبية في الوسط السني , فراح يبحث عن صداقات فردية في الوسط الشيعي الذي أندفعت أحزابه الدينية بشهية كبيرة نحو السلطة التي كان يديرها منتدي ألآحتلال ألآمريكي المدعو ” بول بريمر ” الذي عرف لاحقا بالحاكم المدني في العراق , ولضعف البنية التنظيمية للآحزاب الدينية الشيعية التي جاء بعضها منهكا من الهجرة الطويلة , وبعضها تشكل حديثا طمعا بالمشاركة في فتات السلطة التي أصبحت مشرعة من أيام مجلس الحكم لكل ما هب ودب بعيدا عن ضوابط التخصص والكفاءة والخبرة , فوجد هذا الضابط البعثي فرصته للتسلق عبر صداقات هامشية لايهمه الشخص نفسه بمقدار ما يهمه ألآقتراب من مصادر القرار في ألآحزاب الشيعية , وأتخذ ذلك الشاب المسى أبراهيم الصميدعي من الصحافة عنوانا ووسيلة للتسلق في حين لم يكن يمتلك مادة ثقافية ولا سياسية في الكتابة الصحفية ولم يظهر له شيئ مقروء سوى ما يكتبه عن علاقته بالمالكي تارة وبعدنان ألآسدي ظنا منه أن عدنان ألآسدي من أصحاب القرار في حزب الدعوة كما هو المالكي , وعندما لم يجد ما يشبع رغبته ويعزز طموحه رمى شبكاه مع جواد البولاني عندما أسس ما يسمى بالحزب الدستوري الذي أسرع في فتح مكاتب له في أغلب المحافظات مستغلا منصبه كوزير للداخلية وأصبح أبراهيم الصميدعي نائبا للآمين العام للحزب الدستوري في عملية متسرعة من الطرفين , فلا جواد البولاني مؤهلا لتشكيل الحزب وتمويله لولا الوقوع في فخ العلاقات ألآجنبية التي جلبت للعراق كل هذا الهوان والتخلف , ولا أبراهيم الصميدي مؤهلا فكريا وتنظيميا وسياسيا ليكون نائبا لآمن عام حزب ليس فيه ألآ ألآتباع والحواشي الذين لايرتبطون بقاعدة شعبية , وحالما خرج أبراهيم الصميدعي من الحزب الدستوري وهو يعرف أسباب خروجه وأظنه الى ألآن لايقوى على البوح بها , وعندما ظهرت ما يسمى بساحات ألآعتصام في ألآنبار وجد أبراهيم الصميدعي فرصته في اللعب على الحبال فسنيته كما يعتقد تؤهله للتقرب من بعض وجوه ساحات ألآعتصام ولو بالعنوان الصحفي الملفق وهذا ماجعله يحضر أجتماعات مؤتمر عمان الذي حضرته أقطاب الجماعات التكفيرية ألآرهابية وحواضنها , ولكنه مرر حضوره لذلك ألآجتماع الخطير بعنوان النزق الصحفي حتى يبعد الشك عن حضوره كعضو مشارك , وهذه التمريرة لم يلتفت اليها مقدم البرنامج الدكتور جاسم بديوي , ولم يفتح فيها تساؤلا مع أبراهيم الصميدعي الذي بدت عليه علامات التوجس والخوف مما يخبى له من أسئلة هو يعرف أنها ستكون محرجة له , ولذلك سارع ليقول أنه لم يحضر معلوماته لهذا اللقاء ؟ ثم سارع ليقول : أنه غير متخصص بالجماعات التكفيرية وأن ذكر الكثير من أسمائها وبعض رجالاتها مثل : ” حجي بكر ” ومثل ” الزرقاوي ” وأبو عمر البغدادي ” و أبو بكر البغدادي ” وأبو محمد الجولاني ” وبعض الضباط البعثيين في الحرس الجمهوري .

وعندما أطمأن أبراهيم الصميدعي الى أن مقدم الرنامج لاينوي أحراجه تحدث عن المساءلة والعدالة بصفة الناقد , وهكذا أصبح بأمكان كل من يظهر على شاشة العراقية أن ينتقد المساءلة والعدالة حتى يناغم من ينتظر حديثا من هذا النوع لا من أجل المصالحة الوطنية التي أصبحت شماعة لكل الفاشلين في العملية السياسية , والعيب ليس في المتحدثين المتشدقين عن المساءلة وما يسمى بأجتثاث البعث ؟ ولكن العيب في الذين تبنوا مثل هذه المصطلحات وهم لايعرفون ما يترتب عليها , ولقد كتبنا وأوضحنا رأينا عبر الفضائيات بأن أجتثات البعث والمساءلة والعدالة عناوين خاطئة وضعها من لايعرف فن أدارة الحكم والدولة , ومن لايعرف سياسة المنظومة ألآجتماعية بأتجاه التنمية والبناء , وقبل ذلك وبعد ذلك أن الذين خدعوا بالعمل بما يسمى ” أجتثاث البعث ” و ” المساءلة والعدالة ” لايعرفون فقه ألآحكام الشرعية بمقدار ماكانوا يعرفون أمتيازاتهم الشخصية التي طغت على المشهد الحكومي والسياسي ؟

ثم حاول أبراهيم الصميدعي تمرير بعض المعلومات السرية والتي لم يلتفت اليها مقدم البرنامج مثل : قيام عبد اللطيف الهميم الذي عين أخيرا رئيسا للوقف السني قيامة بأقناع صدام حسين بمشروع الحملة ألآيمانية التي تبناها صدام في التسعينيات ليضرب عصفورين بحجر , ليضرب أثار ألآنتفاضة الشعبانية , وليغري الجماعات السلفية التي كانت تتحفظ عليه حزبيا وتتعاطف معه طائفيا .

وأبراهيم الصميدعي الذي أستفاد من سنيته ومن خلفيته البعثية كضابط أمن ومن ظهوره المشكك كصحفي كل ذلك جعله يطفو على سطح ألآحداث ليس مقنعا , وأنما باحثا عن العناوين بما يشبه التسول متدحرجا على مراحل الحدث العراقي وعلى أسماء لاتعترف له بالدور والمشاركة , ومن هنا كانت أستضافته هي عملية شيطنة تضاف لوكر الشيطان بغموض وتسرع غير مدروس , وهذه هي برامج الفضائية العراقية المحرومة من التألق وألآبداع بسبب المحاصصة التي لازالت تغلق ألآبواب بوجه الكفاءات والخبرات التي تعرف كيف تخاطب الجمهور لا كيف ترضي صاحب المنصب.