19 ديسمبر، 2024 3:05 م

شعارُ حقٍّ يُرادُ به باطل… تحالفات في زمن الخداع

شعارُ حقٍّ يُرادُ به باطل… تحالفات في زمن الخداع

في صفحاتِ التأريخِ نقلِّبُ مواجعَنا ونكبوا بآلامنا ونتلمَّسُ جراحاتِنا برفقٍ ولين بين سطورِ كلماتها ، كلماتٌ ماتزالُ تقرعُ أسماعَنا حتى اليوم حاضرةً بأشخاصها تأبى الفراق .
في صراعِ الحقِ مع الباطلِ تتلونُ بعضُ النفوس الخاويةِ متوشحةً بوشاح الحقِّ متباكيةً على المظلومين والمضطهدين وكأنها الناطق الرسمي لهم ، لتحكي عبر ذلك ما تخشى أن يعرفَه الخصوم ، وهذا هو النفاقُ بعينه ، فحينما وقف الخوارجُ بوجهِ ( عليٍّ ) في الزمن المنصرم ليقولوا كلمتهم : لا حكمَ إلاّ لله ، وما أجملها من كلمةٍ جمعتْ في دلالات حروفها القليلةِ بين إقامةِ شريعةِ العدل الخالدةِ وانفرادها بالحكم ، كان الردُّ عنيفًا وغير متوقَّع ؛ لأنه إنما نبعَ من معرفةٍ بما يختبيء خلفَ حركاتِ تلك الكلمات مستجلٍ ما تنطوي عليه النفوسُ الأمارةِ بالسوء ، التي أضلّت طريقَ ما بدأت مسارها منه وكأنها تراوحُ في مكانها وهي لا تعلم ، هذه الكلمةُ لم تكن في عين الحقيقةِ سوى بعدًا عن الحقيقة ؛ إنها ( كلمةُ حقٍّ يُرادُ بها باطل ) هكذا كان الرد في ميزان المواجهة ، هذه الكلمة صوَّرتْ حقًّا مُزِج بنقيضه وخولط بخصمه اللدود وأنى له أن يكون بعد هذا حقا ، هكذا هي حكاية التأريخ في مواقفه ، الذي حلَّ ضيفًا علينا بلباسٍ إسلاموي ليُصاغ بمسمىً جديد ، وما أقرب أمسُه باليوم بل وما أشبهه به ؟

   وهو ما يُسمى اليوم بـ ( التحالف الإسلامي بوجه الإرهاب ) الذي أعلنتْ عنه السعودية مؤخرًا بالتضامن مع دولٍ أخرى ، وقد كشف عن أمورٍ عدّة ؛ إذ يبدو أنّ الدولَ التي شكّلت هذا التحالف والتي انضمت إليه كانت بمنأىً عن خطر الصراع الدامي في المنطقة طيلة الفترة الماضية، وأن التنظيم الداعشي لم يُشكِّل تهديدًا لمصالحها وكأنها  أُعطيت صكَّ الأمانِ ، أو أنّها كانت في غفلةٍ عن كلِّ ما يجري حولَها وكأنّ في آذانهم وقرا حتى تغافلت عنه واستغفلت به ، وكأنّ الإسلام لم ينادِ حتى بُحَّـتْ حنجرتُه (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ) ، وتسويق التحالف بهذا المضمون يلمحُ إلى أن الإسلامَ أضحى ممزقًا ويُرادُ له أن يفيقَ من سباته العميق ويرتقُ ما انفتق من خيمته البيضاء ، و يرئبُ ما انصدع من صرح بنائه العظيم ، وما أجمل هذه الشعارات البراقة التي تستجلب قلوبَ الساذجين وتسحر عقولَهم ، يا لها من مفارقة ؟

   ونحن بدورنا نقول لكم : نعم ، في كلِّ يومٍ تتصدّعُ قلوبُ المسلمين على مسمعٍ ومرأىً من دول هذا التحالف وغيره بما يحصل لقبلةِ المسلمين الأولى ( بيت المقدس ) من تدنيسٍ وتهوين ، ولإهل غزة من ذبحٍ وتشريدٍ و إذلال من قِبلِ شرذمةِ شذاذِ الآفاق (اليهود) ، فشمِّروا عن ساعدكم وهلِّموا بخيلكم وأساطيل بحوركم وحاصروا تل أبيب فإنها مصدر الإرهاب ، أو ليس في ذلك التدنيس اليومي تهديدٌ للإسلام والمسلمين فينبغي عليكم أن تحاربوه ؟ أم أن تحالفكم إنما صُمِّم على مقاسٍ واحدٍ ويبدو أنه لايتناسب مع مقاسِ فصال إرهاب أسرائيل ، نصيحتي لكم أن تنتدبَ دولُ تحالفِكم مندوبين سامين في بعثةٍ إلى إسرائيل لتعاينوا حجم الإرهاب الحقيقي عن كثبٍ ومعاينة ، وتُدخِلوا إرهابَها ضمن قائمتكم السوداء في سجِّل تصفية الحساب ليكون من أولوياتِ أعمالكم .

     أظهروا صحةَ نواياكم وصدقَ مدعاكم ، وإلا كنتم كمن كان قبلكم خوارج عصركم تقولون حقًا تريدون به باطلا ، وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا سينكشف أمرُكم للداني والقاصي أن تحالفَكم إنما صُمِّم على مقاسٍ واحدِ ولأجل هدفٍ واحد ، فهو يخشى ويرهبُ من وجودٍ جديد فرض نفسه بقوةٍ في ساحةِ الصراع ، سيسحب عما قريب بساطَ النفوذ من تحت أيديكم ، وأخاله يُحيلكم على هامش التأريخ والسيرة ، لإن الزبدَ يذهبُ جفاءًا ولايبقى إلا ما كان حقًا خالصًا .

أحدث المقالات

أحدث المقالات