ظل العرب ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها حليفا استراتيجيا، فيما كانت من جهتها تميل إلى المكائد التي تزيد مشكلاتهم تعقيدا. أليس ذلك مدعاة إلى أن يعترفوا بأنهم كانوا حلفاء فاشلين؟
ما الذي لم يقدمه العرب إلى الولايات المتحدة الأميركية لكي لا تثق بهم؟ لا أعتقد أن أحدا من أصدقائها خدمها مثلما فعل العرب.
سيُقال دائما أن هناك تحالفا استراتيجيا بين العرب والولايات المتحدة. وهو تحالف يُفترض به أن يكون شبيها بذلك التحالف القائم بينها وبين إسرائيل. فما الذي يجعل الأمرين يختلفان؟
لم تجرؤ الإدارات الأميركية المتعاقبة على اختلاف توجهاتها على توجيه اللوم إلى إسرائيل مرة واحدة، غير أن التاريخ السياسي المعاصر لم يشهد ظهور إدارة أميركية واحدة على الأقل كانت تتعامل مع العرب بشيء من الندية التي تشي بالاحترام والقبول. كان الإهمال نعمة، إذ يمثل فاصلة بين غَضَبيْن.
وكما يبدو فإن هناك خطأ جوهريا في علاقة العرب بالولايات المتحدة. ذلك الخطأ كما أرى نتج عن سوء فهم متأصل لدى العرب. صحيح أنهم لم يفهموا العقلية الأميركية، غير أن الأصح أنهم لم يفهموا أنفسهم. فالولايات المتحدة تبحث عن دول تدور في فلكها. وهو ما نجحت فيه من خلال علاقتها مع بريطانيا. غير أن الأخيرة ظلت مرهوبة الجانب باعتبارها دولة عظمى.
أما علاقتها بدول القارة القديمة أوروبا فقد كانت قائمة دائما على مد وجزر متوازنين. فأوروبا حرصت على أن تكرس نفسها أصلا للغرب، مقابل النموذج الأميركي الذي صار يقيم استعراضاته باعتباره واجهة لذلك الغرب.
لو تراخت دول أوروبا الغربية قليلا لكانت أميركا اجتاحتها بوسائل غزوها الناعم. لذلك تبدو فرنسا مثلا حصنا لغويا منيعا ضد الإنكليزية. الحذر الأوروبي له ما يبرره. وهو ما لم يفهمه العرب. كانت ثقتهم عمياء بالولايات المتحدة باعتبارها حليفا.
هل تثق إسرائيل براعيتها وخادمتها بالطريقة نفسها؟
يعرف اليهود ما الذي يريدونه من الدولة الأعظم. وهم في ذلك لا يؤكدون تفوقهم في مجال الإقناع فحسب، بل أيضا في إدارة شؤون العلاقة بالآخر على نحو سياسي متقدم. يثق اليهود بأنفسهم قبل أن يولوا الآخر ثقتهم. وهو ما يفتقد إليه العرب وقد سلموا مقاليد أمورهم لمَن ظنوا أنه سيرعاها، غير أنه في حقيقته لا يملك الرغبة في أن يخدمها. أليس من الظلم أن نفكر والحالة هذه في أن يملك العرب وسائل للضغط على الولايات المتحدة من أجل أن تلتفت إلى قضاياهم بالطريقة التي يفعلها اليهود باسترخاء واطمئنان؟
لا تكمن مشكلة العرب في أنهم لا يملكون ما يقدمونه للولايات المتحدة، بل في نظرتهم المتواضعة إلى ما يقدمونه. وهي نظرة يحسبها الآخرون نوعا من الجهل بالذات وبالآخر في الوقت نفسه أو الاستخفاف بالقيمة الاعتبارية لما يُقدّم. في الحالين لم يكن العرب أذكياء بما يكفي لإجبار الولايات المتحدة على النظر إليهم من جهة كونهم قوة قادرة على التغيير.
ربما يعتقد البعض أن الولايات المتحدة تفعل ما تفعله لإرضاء إسرائيل مخيرة. في حقيقتها فإنها لا تستطيع سوى أن تقوم بذلك، ذلك لأن الضغوط المسلطة عليها، من داخلها ومن خارجها لا تسمح لها بحرية التفكير أو الحركة.
لم يكن التنافس بين العالم العربي وإسرائيل متوازنا. بل قد لا يكون من الإنصاف لو اعتبرنا أن العرب قد ظُلموا فيما هم في الحقيقة قد ظلموا أنفسهم، حين لم يتعاملوا مع مواقع تفوقهم بطريقة جادة وأهدروا ثرواتهم بكرم تغلب عليه السذاجة التي اعتبرها الأميركيون وهم محترفو احتيال نوعا من الغباء.
لقد ظل العرب ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها حليفا استراتيجيا، فيما كانت من جهتها تميل إلى المكائد التي تزيد من تعاستهم وتزيد مشكلاتهم تعقيدا. أليس ذلك مدعاة إلى أن يعترفوا بأنهم كانوا حلفاء فاشلين؟
نقلا عن العرب