18 ديسمبر، 2024 1:56 م

التنمية والتقدم يقاسان بمدى الحرمان والظلم

التنمية والتقدم يقاسان بمدى الحرمان والظلم

تقدم عبارة «تنمية للجميع» التي اختيرت عنوان تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 2016 والذي صدر أخيراً مقاربة مختلفة في النظر إلى التقدم وقياسه، فقد اعتادت الحكومات والمؤسسات المعنية أن تقدم بزهو متوسطات حسابية للمكاسب والتعليم والرعاية الصحية وحقوق الإنسان وغير ذلك من مؤشرات التنمية والتقدم، وهي وإن كانت أرقاماً صحيحة وتظهر تحسناً بالنسبة للأعوام الماضية، لكنها تخفي الحرمان الذي تعانيه فئة واسعة من المواطنين، وتغطي على الأرقام والمؤشرات المهمة الممكن النظر إليها في الجداول التفصيلية والمؤشرات الفرعية الكثيرة. فالتنمية الإنسانية بما هي حرية الإنسان وفرصه في العيش بملء الإمكانات، لكل الأفراد، وليس للبعض ولا الغالبية، لكن للجميع، في كل مكان، وفي الحاضر والمستقبل، تجعل مقياس العدالة بعدد الذين يُظلمون، والديموقراطية بعدد المحرومين منها وليس من يتمتعون بالحريات!
وأهمية هذا المنهج في القياس أنه يوجه سياسات التنمية والإنفاق العام على أساس أن تستهدف جميع الناس بعدالة وكفاءة، ويعيد النظر في البرامج والمشاريع التي تعود بالفائدة على فئة من الناس من دون غيرهم، ويجعل أسلوب العلاقات العامة والمعالجات الإعلامية في التركيز على قصص النجاح والإنجازات الجميلة والرائعة في العواصم والمدارس والمستشفيات من دون اعتبار للسؤال الأساسي: من المستفيد ومن المحروم، ومن دون تقييم لاتجاهات الانفاق وتوزيع الموارد عملاً مضاداً للتنمية والتقدم.
فأن يكون بلد فقير مثل الأردن يملك شارعاً واسعاً ومزوداً بالجسور والأنفاق وممتداً من المطار الى العاصمة سيبدو عملاً ضد الذات والتنمية إذا نظرنا إلى شبكة الطرق والنقل في المملكة على نحو عام وشامل. حيث يواجه المواطنون ضنكاً في الحياة بسبب رداءة الطرق والمواصلات العامة ويضطرون إلى زيادة الانفاق من مواردهم القليلة ابتداء لمواجهة أزمات ومشكلات تستطيع الحكومة لو أرادت وبالموارد المتاحة أن توفرها، لكن حين تصمم المدن والعواصم على نحو عدائي مع الطبقات الوسطى وتجعل فرصهم في الحياة الكريمة تعتمد على أسلوب حياة مصمم للأغنياء فإنهم تحول موارد الغالبية الكبرى من المواطنين لمصلحة الأغنياء الذين يملكون المدارس الخاصة ووكالات السيارات والمستشفيات والتي صارت خياراً لا بد منه للمواطنين في محاولتهم تلافي الانزلاق إلى الفقر والحرمان وغياب الأمل تجاه المستقبل!
والحال أن الإنفاق العام تحول إلى مرافق وخدمات جميلة لفئة قليلة، وساعد أيضاً في تمكينها وزيادة فرصها على حساب الغالبية، ثم استدرجت هذه الغالبية الى فخّ محكم، ففي محاولتها لتحسين حياتها تحولت جهودها ومواردها إلى أرباح إضافية للأقلية المهيمنة والاحتكارية. ثم تقدم هذه الفئة الأنيقة فرصها ومكاسبها على أنها إنجازات تنموية للبلاد.
التعميم هو جوهر التنمية والتقدم، يقول تقرير الأمم المتحدة، وفي ذلك فإننا ننظر أساساً لأجل التنمية في بلادنا إلى الحرمان وعدم المساواة والتطرف والكراهية والفجوة بين الفئات الاجتماعية والطبقات، وإلى التحديات التي نوجهها في البيئة والماء والطاقة والحريات والعدالة والكرامة، لكن ما هو أكثر أهمية كيف تملك المجتمعات القدرة على التأثير والمشاركة في اتجاه هذه التحديات ولأجل أهدافها وأولوياتها الحقيقية، فلم يعد كافياً أن تكون ثمة مؤسسات وسلطات تعمل بجدية وحسن نية لأجل التنمية والتقدم في معزل عن مشاركة ومسؤولية المجتمعات، والحال أن الحكم الرشيد ليس منحة أو وعداً منتظراً، لكنه ابتداء منتج اجتماعي ويعكس المستوى الاجتماعي والحضاري للأفراد والمجتمعات ووعيها لمواطنتها وما تريد وتحب أن تكون عليه. التنمية والتقدم هما كيف نخرج من دوامة الاستغراق في الحياة بعد الموت لننظر في الحياة قبل الموت؟
نقلا عن الغد الاردنية