18 ديسمبر، 2024 9:56 م

محنة الكاتب في الزمن الردئ

محنة الكاتب في الزمن الردئ

الكتابة ليست ترفا . . انها حاجة للكاتب وللقارئ . فالكاتب يريد ان يقول شيئا محبوسا في صدره . والقارئ يحتاج الى من يشرح ويفسر له الاسئلة التي تدور في ذهنه ، سواء كانت فلسفية او معاشية . ويريد ان يرى ما الذي يجري من حوله ، ولماذا . من هو الضحية ومن هو المستفيد . اسئلة غامضة كثيرة تدور في مخيلتنا جميعا . . والكتابة المجتمعية ان صح التعبير هي عملية فكرية معقدة تهدف الى نشر فكرة او اجابة سؤال ، او التحريض على واقع اليم لا يمكن السكوت عنه . ومن هنا تصبح الكتابة احيانا محنة عندما يريد الكاتب ان يقول شيئا ولا يستطيع ان يوصله الى القارئ لسبب او لآخر . . واننا عندما نرى واقعنا المرير ، ونرى طغمة حاكمة مترفة يقابلها جموع من الناس لاحول ولاقوة لهم ، فان الكتابة تصبح حاجة اساسية وضرورية لانقاذ مايمكن انقاذه ، او على الاقل نقد وضع قائم على الظلم والجوع . . اننا لا نكتب لانفسنا ، ولا نكتب لنخبة معينة . اننا نكتب للشارع ، للناس ، لاولئك الذين يعانون من الخراب والجوع والقهر والحرمان . ونحن لا نكتب من اجل المال ،. ولا نحن مرتزقة . نحن نكتب لتصحيح وضع خاطئ او فكر متخلف او فضح مسؤول فاسد او شعارات زائفة . نحن نكتب لاجل الانسانية المهانة في بلادنا. . ومن الطبيعي اننا بحاجة الى مساحة من الحرية لنشر ما نريد قوله . وبذلك فان المسؤولية تقع على الكاتب وعلى الناشر ايضا . . ولكنني عندما ارغب بالكتابة حول موضوع اجده حيوي ومهم اصطدم بمجموعة من التابوات والمحرمات ورموز يعتبرونها مقدسة وهي بالحقيقة شخصيات تلعب بالبيضة والحجر
لنتحدث بتفصيل اكثر . . فانا اذا كتبت عن التحالف الوطني مثلا فان المواقع الاعلامية والصحفية التابعة لهذا التحالف او التي تعتاش عليه لا تنشر ما اكتبه لانها تعتبره مناقضا لمسلكها . وكذلك اتحاد القوى له مواقع صحفية عديدة . واذا ما تحدثت عن فساد احد قياديه فانه يقاطعني ويعتبرني من الطرف الاخر . . اما اذا كتبت بنفس الوقت عن التحالف الوطني واتحاد القوى والاتحاد الكوردستاني فان جميع المواقع لا تنشر لي اللهم الا ثلاثة او اربعة مواقع من بين عشرات او مئات الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية . . اما اذا انتقدت الحشد الشعبي فان هذا هو الكفر بعينه ،. لانه مقدس . ولا اعلم لماذا اصبح مقدسا وهو دعوة للجهاد الكفائي ينتهي بانتهاء هذه الدعوة ،. على وفق الشريعة التي صدرت الدعوة بموجبها
هل يتوجب علينا الانحياز الى طائفة معينة او كتلة سياسية حتى نكون مقبولين . . انهم يفرضون علينا الفكر الديني او المذهبي حتى نكتب ضد الطائفة الثانية ،. وهكذا . . وكلما زادت التخندقات زادت محنة الكاتب
ان كثير من المتصدين للعملية السياسية عندنا لهم صفة دينية . واذا ما اردنا انتقادهم فان ذلك سينسحب الى دين وعقيدة او مذهب هذا المتدين
ان رجل الدين اذا ما عمل بالسياسة فعليه تقبل النقد ، حاله حال اي شخص سياسي عادي . ولا حصانة او قدسية له في هذا المجال . . انهم يخلطون الدين مع السياسة ،. بل مع حياتنا الشخصية ايضا. . كيف ناكل ونلبس وماذا يجب ان نقول وما لا يجب ان يقال . . انهم يعلموننا كيف نموت وماذا بعد الموت ،. ولا يعلموننا كيف نعيش او كيف نربي اطفالنا على وفق مبادئ العدل والمساواة والعلم . بل يفرضون علينا طقوسا يجب ممارستها لتسهل مهمتهم في السيطرة التامة على عقولنا . يأكلون السحت الحرام بأسم الدين وما عليك الا السكوت لانهم رموز دينية لا يمكن المساس بها. . وقديما قالوا اعطوا ما لله لله وما لقيصرلقيصر . فلماذا لا نفرق نحن الان في هذا الزمن الردئ بين ما هو لله وما هو للدولة او للشعب . .ولماذا اختلطت اموال بيت المال او اموال الدولة مع اموال رجال الدين واتباعهم. ،. واصبحت كلها في جيوبهم . انه العبث بالدين وبالسياسة معا
الكتابة فن هادف واخلاق حميدة. . . وان من واجبنا احترام المسؤول السياسي ورجال الدين اذا كانوا ملتزمين بالقواعد المتعارف عليها في السياسة والدين واذا كانوا يتصفون بالنزاهة والشفافية . . اما ان يقوم رجل السياسة ورجل الدين بالسرقة ونسكت عنه لانه من الرموز المقدسة فهذا كثير جدا . وهكذا اصبح الحال مع الاحزاب والتحالفات الحاكمة وميليشياتها ورؤسائها
ومن هنا اقول لهم لا احد مقدس وهو يعبث بحياتي ومستقبلي ، ومستقبل اولادي وسأرفض كل دعوة دينية او مذهبية تصادر حريتي . وتحرمني من ابسط المبادئ الانسانية وهي حرية الكلمة . . ولهم ان ينشروا كتاباتي او لا ينشروها . طز بهم لانني سأكون وفيا دائما للكلمة الصادقة الهادفة. ،. وسأكون وفيا لكل اولئك المذلون المهانون من ابناء وطني بأسم الدين او المذهب او المقدسات الزائفة. . . وسأكتب واكتب حتى اجردهم من كل عباءات الدين والمقدسات المزيفة