19 ديسمبر، 2024 8:20 ص

سنن التخريفِ وقسرية القدر ……. عراق بين محنتين

سنن التخريفِ وقسرية القدر ……. عراق بين محنتين

للتأريخ أهميةٌ في صناعة الانسان وعلامةٌ فارقةٌ في تحديد مصير الشعوب ورسم ملامح الخط البياني في بنائها الحضاري ؛ إذ هو إما ماضٍ مشرقٌ سطّرت أمجادَهُ مواقفُ الانسانيةِ هناك , أو تحللٌ من قيمِ التحضرِ ملأ صحفًا من الظلمِ والجهل كبَّلت عقولَ التحررِ بأصفاد العنجهيّةِ وحبِّ الدنيا .

    ولئن كانت حتميّةُ هذا التأريخ بشقّيهِ المشرقِ والمظلمِ ألقتْ بضِلالها على مستوى تفكيرنا شئنا أم أبينا دونما إرادةٍ منا سلبًا أو إيجابًا، إلاّ أنّ هناك تأريخٌ _ نسبناه إلى التأريخ _ رسمنا حروفَه ونسجنا خيوطَه الطللية بين متاهات الفكر السوداوي المتشائم ، فكرٌ اتكالي ما أنزل اللهُ به من سلطان ، تخللَ إلى ذهنياتنا عبر عقيدةٍ فاسدةٍ تبريريةٍ متوارثَة ،أشلّت شطرًا معتدًّا به من مشاريع الإصلاح في مسيرتنا الانسانية تلك هي بمفهومها ( سنن التأريخ ) .

    فكلُّ ما يحيطُ بنا من أحداثٍ صراعاتٍ وتحديات ، وما ينتابنا من جورٍ واضطهاد وما نصنعهُ بأيدينا من خنوعٍ وتخلف هو من سننِ التأريخ ، مكتوبٌ علينا أن نُضطَهد أن نُصفَى أن نجوعَ ونعرى وليس لك أو بمقدورك أن تُغيِّر وهذه سنّةُ التأريخ في أبنائه كما يحلو لهم أن يعبرون ، كلُّ ذلك قد تناقله الخلفُ عن السلف وارتمى بين ظهرانينا حتى أضحى مرتكزًا ذهنيًا تختبيءُ خلفَه سلوكيات البعض  .

    وممّا يزيد الطين بلّة ، والداء تفاقماً والخرق اتساعاً أن تؤطر هذه السنن بإطارٍ عقَدي عبر نافذة ( القضاء والقدر ) ، فلا مفرّ ولا مهرب من التسليم وكلُّ ما يقع عليك كُتِب في قضاءِ الله وقدره .

كثيرةٌ هي السلوكيات المنحرفة في مجتمعاتٍ يسودها الجهلُ والتخلف إلا أن ما يدعو إلى القلقِ أن تُقترن تلك السلوكيات أو تعنون بإطار العقيدة ، تلك العقيدة التي تسربت إلينا من تراكماتٍ سياسيةٍ لحكامٍ سعَوا إلى تبرير انحرافاتهم في مخالفةٍ صريحةٍ لتعاليم الإسلام ، ولأجل تحصيلِ إذعان الشعوب لهم على طبقٍ من ذهب ,وأنهم خلفاءُ الله في أرضه فلا يحق لك التغيير بأي شكلٍ من الأشكال .

  هكذا هي حال عراقنا اليوم فهو بين فكي هذه ( السنن ) كمفهومٍ متوارَث و ( قسرية القضاء ) أو هو بين المطرقة والسندان ، فاليوم هناك شطرٌ من سواد الناس ممن ينتمي إلى هذه الذهنية العقيمة وهو لا يعلم أنه بذلك يقف عائقًا في طريق الإصلاح الذي يلهج به الجميع ، وأن الخرافة هي التي جعلت من هذه التراكمات سننًا لا سبيل إلى تعديلها ، بعد أن ألزمت مَن انتمى إلى نهجها بالسير على هذا النهج .

  للتأريخ كلمتُه قالها منذ سنين ؛ معترضًا على مَن تجنَّى عليه وألصق به هذه السنن الخرافية ونسب إليه ما هو بُراءٌ منه ،ولسانُ حالِه ترجَم كلمتَه قائلاً: ( ياليتني متُّ قبل هذا وكنتُ نسيًا منسيا ) ، فهلا تناسينا وأمتنا ( سننَ التخريف ) وبدأنا بإصلاح ذواتنا كما قال عزَّ من قائل (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [ الرعد : 11]    فليس للعراق إلا أهله .

أحدث المقالات

أحدث المقالات