يقول المثل العربي (أخسر من صفقة ابي غبشان )،كان أبو غبشان الخزاعي سكيرا، فاعوزه الشراب يوما، فباع مفتاح الكعبة إلى قصي بن كلاب بزق خمر،وقبل الحديث عن صفقة وزير النفط السابق حسين الشهرستاني، والتي تخلى فيها عن أضخم حقول النفط في العالم،إلى شركات النفط الأجنبية متعددة الجنسية، في ظرف ساعات،سوف استعرض تاريخ استخراج النفط في العراق بشكل موجز ومقتضب.
اكتشف النفط في العراق، في فترات سحيقة من تاريخ العراق ،منذ عصر السومرين والبابليين، حيث كانوا يستخدمون بعض أنواع النفط الأسود وكذلك القير،في ابنيتهم وشوارعهم وزوارقهم،وكانت بعض الآبار ترمي بالنفط إلى الخارج،بسبب قربها من سطح التربة، أما اكتشاف النفط واستخراجه على ماهو متعارف اليوم، كان في بدايات القرن العشرين، وأول شركة استثمرت حقوق استخراج النفط في العراق كانت شركة تركية عام1912 التي تحولت بعد احتلال بريطانيا للعراق، إلى شركة نفط العراق IPC التي قامت باستخراج النفط لأول مرة من حقل بابا كركر في عام 1927 وحصلت هذه الشركة على موافقات متعددة لاستخراج النفط، في المملكة العربية السعودية ودبي ،وكانت تمتلك حقوق استخراج النفط في تلك الحقول حتى عام1961 وهو العام الذي قام فيه الزعيم عبدالكريم قاسم بتشريع قانون 80 الذي بموجبه حدد عمل الشركات الأجنبية بالحقول التي كانت تعمل بها، دون السماح لها باكتشاف حقول جديدة، حتى عام 1964 حيث أسس الرئيس عبدالسلام عارف منشأة عراقية وطنية بأسم (شركة النفط الوطنية )،الهدف منها البحث عن حقول جديدة واستثمارها وطنيا، وفي عام 1972 تم تأميم شركة نفط العراق المحدودة IPC من قبل الرئيس أحمد حسن البكر.
وإذا كان قرار التأميم أضر بالعراق في جانب، من أنه حرم العراق من الاستثمارات الأجنبية، وجعل العراق دولة هامشية بالمنطقة، بعدما كان دولة مركزية،لصالح إيران في زمن الشاه، ثم السعودية ودول الخليج بعد الثورة الإسلامية في إيران، ولكنه من جانب آخر عاد على العراق بفوائد مادية ومعنوية، فإن الأخوات السبع (شركات النفط الأجنبية العملاقة )كانت تسيطر على 85% من الاحتياطيات العالمية النفطية المؤكدة، وكان سعر برميل النفط 2.5 دولار عام 1972 وبعد الإعلان عن إنشاء منظمة الأقطار المصدر للبترول (أوبك )عام 1973 في بغداد، ارتفع سعر برميل النفط إلى 12 دولار عام 1974 وبعدها شرعت الدول النفطية إلى تأميم الشركات النفطية الأجنبية العاملة في أراضيها.
استثمرت واردات النفط المتضاعفة ،في تعزيز قدرات النظام السابق، واستطاع بهذه الإيرادات أن يوجد بنى تحتية في البلاد،ويتضاعف دخل الفرد العراقي طيلة فترة السبعينات، واستبدلت بيوت القصب والطين ببيوت من الطابوق الحديثة ،ووصلت الكهرباء الى ابعد نقطة في الاهوار ،ثم ان يواصل الحرب مع إيران لثماني سنوات.
لم يرعى وزير النفط السابق حسين الشهرستاني، هذا التاريخ الطويل ،وكان بإمكانه أن يبقي الحقول الكبرى المنتجة وعددها 27 حقلا ، تحت الإدارة الوطنية السابقة، ويعمل كل مابوسعه لتطوير القاعدة النفطية ،ويكرس إمكانيّة وزارته لتنمية صادرات العراق النفطية، ويتفق مع الشركات النفطية الأجنبية على الحقول النفطية غير المنتجة وعددها 71 حقلا، إلا أنه عرض كل حقول النفط بالعراق بما فيها المنتجة لجوالات التراخيص، بما فيها الحقول الأضخم عالميا ، منها حقل مجنون والرميلة ، بل إن العقود التي ابرمها مع هذه الشركات لا زالت مجهولة وينتابها الكثير من الغموض والسرية ، ولم يطلع عليها مجلس النواب ولم تعرض على موقع الوزارة، وعلى عكس قانون رقم 80 الذي وضع 99.5% من الأراضي العراقية تحت سيطرة الحكومة، فإن جولات التراخيص وضعت 94% من الاحتياطيات النفطية تحت تصرف شركات النفط الأجنبية، وابقت 6%منها لشركة النفط الوطنية .
كان بالإمكان تجنب كل هذه التكاليف الباهظة التي تتحملها الدولة العراقية، والتي اثقلت كاهلها حتى أصبحت عاجزة عن تسديد رواتب الموظفين وتكاليف الحرب ضد داعش، مما اضطرها لإيقاف المشاريع الاستثمارية، والذهاب للاقتراض من البنك المركزي العراقي والبنك الدولي.
والأمر الآخر أن الوزير بالغ في الحديث عن الزيادة في صادرات العراق النفطية، عند تنفيذ هذه العقود والتي قال عنها أنها ستصل إلى 12 مليون برميل بحلول عام 2017 كما بالغوا من قبل بتصدير الكهرباء عام 2014 على ما أذكر.
كل هذه التساؤلات تثار حول هذا الموضوع اليوم، والتي لم تكشف عنها وزارة النفط، رغم المطالبات الشعبية والمنظمات الدولية، بالكشف عن هذه العقود، أمام صمت البرلمان العراقي وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية. والقضاء العراقي.