18 نوفمبر، 2024 6:43 ص
Search
Close this search box.

هل تخلت روسيا عن الأسد

هل تخلت روسيا عن الأسد

شكل التدخل الروسي في سوريا علامة فارقة في السياسة الروسية وجاء في مرحلة بالغة التعقيد في المشهد السوري , وحققت الضربات الروسية عنيفة وحققت أهدافا مهمة أسهمت بتغير ميزان القوة لصالح الجيش العربي السوري الذي حقق تقدما كبيرا في أكثر من قاطع من قواطع العمليات فقد نجح الروس في توجيه ضربات مباشرة لأهداف عسكرية ظلت أمنة نسبيا وخصوصا تلك الموجودة بالرقة عاصمة الخلافة الداعشية , وتأتي مشاركة الروس في ضرب الإرهاب في سوريا بكل عناوينه دون الاقتصار على داعش كضرورة تقتضيها المصالح الاقتصادية والعسكرية لروسيا مع سوريا , فالحرب في سوريا أساسها رفض الرئيس الأسد في العام 2010 للعرض القطري السخي له بالموافقة بمد خط أنابيب للغاز القطري عبر موانئ سورية إلى البحر المتوسط  ما يعني ضرب عصب الاقتصاد الروسي المهم ضربة تجعل روسيا تفقد أسواقها الأوربية للغاز فكان موقف الأسد الرافض للمشروع القطري مؤثرا في القرار الروسي الداعم لسوريا التي تعرضت وتتعرض ومنذ أكثر من أربع سنوات لحرب شرسة خططت لها أمريكا وحلفائها في تركيا والسعودية وقطر  , كما إن قاعدة طرطوس الروسية والتي تشكل المنفذ البحري الوحيد لأسطول البحر الأسود الروسي تشكل عاملا استراتيجيا للتعاون والتحالف بين روسيا ونظام الأسد , لكن المتغيرات السياسية التي لا تعرف السكون شكلت تطورا جديدا عكسته الزيارة غريبة الأطوار الدبلوماسية للرئيس بشار إلى موسكو والتي وصل إليها وحده دون وفد مرافق كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية , وبدا الاجتماع بين الأسد وبوتين اجتماعا غير طبيعي , خصوصا وان هذا اللقاء كان مسبوقا بتصريح لرئيس الوزراء الروسي بأن بقاء الأسد في الحكم ليس خياراً مبدئيا لروسيا , وأعقب الاجتماع تحرك روسي على الأطراف الداعمة للحرب على سوريا وعقد سريعا اجتماعا على مستوى وزراء لروسيا وهذه الإطراف في فينا وصار الحديث عن فترة انتقالية يكون الأسد جزءً منها وهذا ما لم تقبل به هذه الإطراف من قبل , والخطير في هذا الأمر أنهم اتفقوا على إن تكون المرحلة الانتقالية في سوريا برعاية وتخطيط كل الأطراف الداعمة للإرهاب على سوريا والمعروفة بطائفيتها مثل الأردن وقطر والسعودية وتركيا , على إن تبدأ هذه المرحلة بعد القضاء على الإرهاب في سوريا , فالموقف الروسي الذي قام على أساس اعتبار كل سلاح رفع بوجه الجيش السوري الرسمي هو سلاح إرهابي تغير بمدة قصيرة حين أعلن الوزير لافروف عن استعداد روسيا لتقديم الدعم العسكري لقوى معارضة تريد إن تحارب داعش  , فهل كان التدخل الروسي اتفاقا روسيا أمريكيا لتفعيل حل سياسي تقوده روسيا ويقود إلى تحقيق الهدف الأمريكي بإقصاء الأسد المقاوم وأيضا تحقيق أهداف تركيا والسعودية وقطر بتنحية الأسد العلوي , فهل تخلت روسيا عن حليفها المهم الذي قدم لها ما يستحق عليه صفة الحليف الاستراتيجي المخلص لتحالفه , وهل ستجد روسيا حليفا لها كالأسد , وهل ستجد من يثق بها إذا تخلت بهذه الطريقة عن أكثر حلفائها حرصا على العلاقة مع روسيا , وتبقى علامة الاستفهام الأكبر ماذا سيحدث لو قررت روسيا مسايرة الإرادة الأمريكية وأظهرت للعالم إن ما قامت به إن هو إلا استعراض للقوى وتجربة لسلاحها  لتخوف به قطر وأمثالها أو تستغله مناسبة لتسويق سلاحها خصوصا طائرة السوخوي 34 التي لم تنجح ببيعها بالكيفية التي خطط لها  , الاحتمال الأقرب هو إن  يتحقق الهدف الاستراتجي الأمريكي المتمثل بتحقيق الأمن الإسرائيلي  من خلال تحويل سوريا إلى ثلاث كونفيدراليات سرعان ما تتصارع فيما بينها لتنتج عنها دويلات الانقسام الذي تسعى له أمريكا , أما الاحتمال الأضعف هو إن تفرض روسيا واقع وجود الرئيس الأسد المدعوم روسيا بعد هزيمة داعش واخواتها على أطراف الدعم للإرهاب في سوريا  لتحقيق حالة توازن قوى مع الغرب  تمنحها هامشا واسعا للتفاوض بشأن الأزمة الاوكرانية  المزعجة للدب الروسي وبالتالي جعل ورقة بشار الأسد ورقة الضغط الرابحة  بشان أوكرانيا  وتحقيق أهدافها المتعثرة هناك , ولعله غاب عن أطراف اللعبة الإرهابية في سوريا أن الأسد لن يستسلم بطريقة ساذجة ودون مقابل , بل سيكون مستعدا للذهاب بعيدا خارج طوق الضغوط الدولية ومبادئ الوحدة الوطنية والقومية التي يؤمن بها النظام السوري
 ويقيم الدولة العلوية التي سيفضلها على مغادرة سوريا الموحدة لاجئا لروسيا أو غيرها مع تطمينات وتعهدات دولية بعدم التعرض له  وليجعل منها كابوسا يرعب الخط الوهابي العربي ويقض مضجع اردوغان وحرق أحلامه العثمانية إذا لم تسقط الانتخابات النيابية التركية حزب اردوغان وتقضي على اوهامه,هذان الاحتمالان قائمان ,  ما لم تكون روسيا تسعى لإرغام تلك الأطراف على القبول بالأسد من خلال تطبيق نتائج آليات مقترحة للحل السياسي المتمثلة بانتخابات برلمانية ورئاسية يعود من خلالها البعث والأسد هذه المرة أقوى فالاحتمالات كلها قائمة  والقادم غير متوقع بصورة واضحة المعالم والأيام ربما تكون حبلى بمفاجآت غير متوقعة لكل الأطراف خصوصا وأن قوى المقاومة واعية لما يحدث وعندها لكل حالة وسائل مواجهة فعالة قادرة على تغيير قواعد اللعبة ومستعدة لتقديم تضحيات تعجز عنها باقي أطراف القضية السورية الإقليميين والدوليين.

أحدث المقالات