من المتعارف علية أن للقلم دور كبير في رسم صورة الحياة السياسية وألأجتماعية وألأقتصادية وكل مايتعلق بميادين الحياة. من ألأمثال التي عرفناها في زمنٍ بعيد – أن للقلم والبندقية فوهةٌ واحدة- فهل معنى هذا أن القلم يطلق الرصاص ويؤدي الى قتل أشخاص كانوا قد إستخدموا هذا القلم في مجال معين من المجالات التي يتناولها صاحب القلم؟ هل أن القلم يطلق النار على صاحبهِ أم على جهات أخرى تمثل عدو كبير لصاحب القلم؟ من ألأحداث المؤسفة ألأخيرة التي طالعتها في مواقع التواصل ألأجتماعي رحيل الصحفي الكردي الشاب ” سردشت عثمان” على أثر مقال كبير وخطير كتبه بطريقة السخرية من الوضع الذي يعيشه في الزمن الحديث في كردستان. إسم المقال ” أنا أعشق بنت مسعود البرزاني” . حينما بدأت بالنظر الى العنوان أصابتني الدهشة من العنوان وتصورتُ أن الكاتب إستخدم طريقة جديدة لأيصال حبهِ عن طريق الصحف الى من يحب. صعقني العنوان . كيف يجرؤ شاب على البوح بحبه لفتاة تنتمي الى رئيس – دولة- بهذه الطريقة العلنية؟ هل هو مجنون أم في كامل قواة العقلية؟ ماذا سيكون رد فرد العائلة المهمة التي تنتمي إليها الفتاة ؟ هل سيتركونه على قيد الحياة أم يباركون هذا الحب الذي يعلنه شاب على الملأ بهذه الطريقة العلنية؟ حينما راحت عيناي تلتهمان المقال بسرعة عرفت أن صاحب المقال يقصد شيئاً آخر ليس له علاقة بالحب أو العشق المطلق وإنما يسلك طريقة ساخرة للتعبير عن مكنونات حزنٍ دفين لأشياء تحدث أثناء وجودة على أرض كردستان. حقاً أن هذا الكاتب ذهب الى الموت بقلمه بلا رجعه. مع هذا أرفع له قبعتي إحتراماً لأنه مات من أجل فكرة معينة هو يؤمن بها أشد ألأيمان وكان يعرف أن حياته ستنتهي بسبب قلمه. قبل أن أسترسل في ما اريد التعبير عنه أذكر مقتطفات من مقاله ..هو يقول ” .. أنا اعشق بنت مسعود البر زاني. هذا الرجل الذي يظهر من شاشة التلفزيون ويقول أنا رئيسك. لكنني أود أن يكون هو (حماي) أي والد زوجتي.، أي إنني أريد أن أكون عديلا لنيجيرفان البر زاني. حين أصبح صهرا للبر زاني سيكون شهر عسلنا في باريس، ونزور قصر عمنا لبضعة أيام في أمريكا. سأنقل بيتي من حيّينا الفقير في مدينة اربيل إلى مصيف (سري رش) حيث تحرسني ليلا كلاب أمريكا البوليسية وحراس اسرائيلييون.” كلمات تشبه الرصاص المنطلق في الفضاء الفسيح. ألم يكن يعرف خطورة هذا الكلام التهكمي ضد رئيس –الدولة التي يعيش على أرضها. وأقول هنا الدولة لأنني أعتبر أن كردستان أصبحت دولة ليس لها علاقة بالمركز مطلقاً من الناحية العملية. الكاتب تنبأ لموته ِ الحتمي حينما قال في جزء آخر من مقالة ” … أنا اعلم أن هذا هو أول أجراس الموت، وسيكون في النهاية جرس الموت لشباب هذا الوطن. ولكنني هذه المرة لن اشتكي ولن ابلغ السلطات المسؤولة. أنها خطوة خطوتها بنفسي وأنا بنفسي أتحمل وزرها. لذلك فمنذ الآن فصاعداً أفكر أن الكلمات التي اكتبها هي آخر كلمات حياتي. لهذا سأحاول أن أكون صادقا في أقوالي بقدر صدق السيد المسيح. وأنا سعيد أن لدي دائما ما أقوله وهناك دوما أناس لا يسمعون. ولكننا كلما تهامسنا بدء القلق يساورهم. إلى أن نبقى إحياء علينا أن نقول الحق. وأينما انتهت حياتي فليضع أصدقائي نقطة السطر، وليبدءوا هم بسطر جديد. ” تأملت هذه الكلمات بدقة وعرفت كم أن الكاتب كان يعاني من أشياء أراد التعبير عنها مهما كلفه ألأمر- وكانت حياته هي الثمن- فهل سيأتي كاتب آخر من كردستان ليواصل ماكان قد ذكره المرحوم الكاتب الشاب؟ في زمن صدام المقبور كنتُ أتمنى أن أكتب أي شيء دون الخوف من سلطة أو مسؤول أو أي جهة مهما كانت علاقتها بالدولة. كان الخوف يحيط بالصحفي وقلمه من كافة ألأتجاهات ولايستطيع كتابة كلمة واحدة ضد – القائد الضرورة وإن كانت بصيغة الرمز الدفين – اليوم يأتي كاتب لازال في مقتبل العمر ويطلق هذه الرصاصات – أي الكلمات دون خوف- إنها قمة الشجاعة . هل سيبقَ القلم العراقي يرتعش من كتابة أي شيء يريد التعبير عنه دون أن يدفع حياته ثمناً لكلماتهِ ؟ سيبقى هذا السؤال يقرع في جميع ميادين الصحافة المرئية والمكتوبة.