20 ديسمبر، 2024 8:09 ص

لا تصدقوا الزعماء الأكراد دائما

لا تصدقوا الزعماء الأكراد دائما

ليس الأكراد كائنات تاريخية إلا باعتبارهم جزءا من الدول التي ينتمون إليها. سيكون قدر الأكراد إما أن يكونوا عراقيين أو أتراكا أو إيرانيين.

الانفصال عن العراق تمهيدا لإقامة دولة كردية مستقلة ذات سيادة هو حلم كردي قديم. حاول الكثيرون أن يجدوا مخرجا قانونيا لذلك الحلم من خلال الحديث عن حق تقرير المصير. وهو أمر شديد الالتباس، ذلك لأن الأكراد في المنطقة وليس في العراق وحده لم يتمكنوا عبر تاريخهم من إقامة دولة لهم باستثناء مهاباد، تلك التجربة المغدورة التي سقطت ما إن رفع الاتحاد السوفييتي السابق يده عنها في تواطؤ مبيت مع شاه إيران.

حياة الأكراد كانت قاسية دائما، بحلمهم المذكور سلفا ومن غيره.

لقد كانوا دائما عرضة للحملات التي تكشف عن حقيقة الموقف منهم. ذلك الموقف القائم على الشك بولائهم الوطني. ولهذا فقد أتيحت لهم فرصة تاريخية يوم قام الأميركيون بغزو العراق واحتلاله. لم يكن زعماؤهم في حاجة إلى أن يتعاونوا مع المحتل لكي يثني على حقهم في الانفصال.

كان المحتل في حقيقته بحاجة إليهم من أجل إنجاح مشروعه.

وإذا ما كان الزعماء الأكراد يومها قد ادعوا أنهم اختاروا أن يكونوا جزءا من العراق الديمقراطي القائم على التعددية والتنوع والحكم غير المركزي، فإن ذلك الادعاء لم يكن إلا ستارا لإخفاء عجزهم عن إقامة وطن كردي صغير يكون بمثابة نواة للوطن الكردي الكبير الذي يشمل أجزاء من إيران وتركيا وسوريا. وهو ما يعني إعادة رسم الخرائط في المنطقة.

مهمة تاريخية يعرف أولئك الزعماء أنهم ليسوا في حجمها.

لم يكن الأكراد مخيّرين في البقاء ضمن العراق بقدر ما كانوا مجبرين، لأسباب جيوسياسية، ليس البعد الاقتصادي إلا الجزء الأقل أهمية منها.

كردستان العراقية في حدودها المعلومة (من غير كركوك طبعا) يمكن أن تكون دولة تعيش على المعونات. يمكنها أن تكون مكانا سياحيا جاذبا، يمكنها أن تأوي مقرات المخابرات الغربية والإسرائيلية لتُنعش سياحة التجسس، غير أن ذلك كله لن يهبها حدودا مفتوحة على جيرانها: إيران وتركيا وسوريا. ثلاث دول لا تعترف بالهوية الكردية، فهي لا تنظر إلى الأكراد باعتبارهم شعبا.

يعرف الزعماء الأكراد أن كردستان بعَلَمها وبرلمانها وحكومتها وسفاراتها هي كذبة لا يمكن الترويج لها إلا في إطار عراق ضعيف، متهالك ينخره الفساد ولا أحد في إمكانه أن يتنبأ بمستقبله.

بين حين وآخر يطلق مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان تصريحات ساخنة عن قرب الإعلان عن دولته المستقلة، وهو ما صار زعماء الشيعة في بغداد يتعاملون معه باعتباره نوعا من الابتزاز. الأمر الذي دفعهم إلى إهمال تلك التصريحات التي يعرفون أنها ليست جادة، بالرغم من أنهم يعتمدون على الصمت الكردي في حربهم المفتوحة على العرب السنة.

وكما يبدو فإن الإهمال الشيعي قد دفع الزعماء الأكراد إلى اللجوء إلى الورقة الأخيرة في مسيرة الابتزاز. لم تكن تلك الورقة سوى كركوك، أولى مدن العراق النفطية. هناك رفع محافظ كركوك الكردي المعيّن من قبل بغداد أعلام الإقليم الكردي، ليعلن ضمها غير الرسمي إلى الدولة الوهم.

في ظروف العراق الحالية لا يشكل ضم كركوك رسميا إلى كردستان من أجل أن تكون جزءا من الدولة المنشودة أمرا صعبا. لا أعتقد أن حكومة بغداد سيكون في إمكانها أن تفعل شيئا. بل قد تكون الولايات المتحدة أول دولة تعترف بقيام ذلك الكيان من غير أن تراعي تداعيات الموقف بالنسبة للدول المجاورة.

ولكن ما تعرفه الولايات المتحدة يعرفه الزعماء الأكراد قبلها.

هذه دولة غير قابلة للحياة. لا لأنها عاجزة عن تسديد تكاليفها الأولية فحسب، بل لأن جيرانها لن يكونوا مضطرين إلى القبول بها شريكا على الأرض. شيء من اللعب بالجغرافيا الذي لا يقبله التاريخ.

ليس الأكراد كائنات تاريخية إلا باعتبارهم جزءا من الدول التي ينتمون إليها. سيكون قدَر الأكراد دائما إما أن يكونوا عراقيين أو سوريين أو أتراكا أو إيرانيين.
نقلا عن العرب

أحدث المقالات

أحدث المقالات