18 ديسمبر، 2024 10:11 م

يومها ابلغ مترنيخ، مهندس الصفقات التي تتم من وراء الظهور وتحت الطاولة، تجمعاً للاخلاقيين النمساويين القول: لا تشغلوا انفسكم.. نحن لا نستعمل ضمائرنا عندما يتعلق الامر بالحلول الوسط، بل لا نستعملها في اغلب الاحيان.
في هذا، يشغلنا السؤال عما تبقى من اخلاقيات «الشأن العام» في سلوك الكثير من اللاعبين في ساحة العمل السياسي حيث تعوزهم صراحة السياسي النمساوي، في الاعتراف بانعدام الوجدان في ادارة المواقف، وفي الولاء والمعارضة، او الحقد، بين ماهو مشروع او ما هو غل.. والحال فاننا بصدد احياء قيم الضمير من القواميس للتذكير بها، إن نفعت الذكرى:
يعرّف قاموس «لالاند» المعتمد في المصطلحات الفلسفية، الضمير بانه خاصية العقل في إصدار أحكام معيارية تلقائية، أما اللاهوتيات فانها تقربه من الوجدان، وفي النتيجة، هو الصوت الداخلي، الرادع للظلم، المشجع على العدالة حتى لو كانت باهظة التكاليف على صاحبه.
لسنا اوصياء على ضمائر الناس. لكن المشكلة ان الضمير غدا، لدينا، واحداً من الممتلكات القابلة للبيع مثل اية سلعة.
تستطيع ان تشتري ضمير، وتدفع، مثلما تستطيع ان تشتري قبعة وتلبس. والضمير الذي تشتريه يمكن ان يبلى فتلقي به الى سلة المهملات، مثل أي حذاء يعتق فتشمره الى حاوية الزبالة.
الضمير لا يبيعه فقط المحتاجون الى المال او الطامعون بالثروة. ثمة من يدنس ضميره في الاعيب يضلل بها الجمهور لصالح فكرة غاشمة.
يرتفع سعر الضمائر حسب سوق التداول، وفي السياسة تنتعش هذه السوق، ولها تجار ومافيات وشاشات ملونة.
الضمير وازع، مانع، رقيب. حين يغيب فان ذلك يعني الخروج عن فضاء القيم الى جاذبية الدناءات، الابتعاد عن التفريق بين ما هو حقّ وما هو باطل.
وهو الّذي يستدرج الانسان الى الندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها مع قيم الشرف.
البعض يتحرك ضميره احياناً ليندم على فعل مخززٍ، لكنه سرعان ما يندم على انه ندم.
حتى الان لا نملك مصدات وضعية تمنع عملية بيع وشراء الضمائر، فقط حين يسقط ضحايا لهذه العملية، وليس ثمة بيع للضمائر لا يسقط بعدها ضحايا، وقد يكون ضحية ذلك قوت الشعب، او المال العام، او قطرة الحياء، او ساحة للعدالة، وقد يكون الضحية وطن باكمله.
****
سوفوكليس:
« أفضل أن أفشل بشرف على أن أنجح عن طريق الغش».

نقلا عن الصباح الجديد