في خضم التقلبات التي يشهدها الشارع العراقي, طفت إلى السطح عدة توجهات تخص المتظاهرين العراقيين ومطالبهم, فهناك من يسعى لركوب موجة التظاهرات ومحاولة تسخير كل الجهود المبذولة من قبل المتظاهرين لنفسه ومؤسسته كما هو حال مرجعية النجف, التي لم تنطق ببنت شفة سابقاً بخصوص الفساد المستشري في البلد إلا بعدما خرج أبناء العراق منتفضين لأنفسهم, بعدما طال سكوت مرجعية السيستاني عن الفساد وإمضائها له بذلك السكوت مضافاً له فتاوى وجوب انتخاب المفسدين ودعم قوائمهم.
هذا الأمر جعل من التظاهرات العراقية ومطالب المتظاهرين تصبح بين رهان توجهين, توجه يراهن على اضمحلال هذه التظاهرات وتلاشيها بمرور الوقت, ويمثل هذا التوجه الرغبة والإرادة الإيرانية في العراق, كأحزاب ومليشيات وسياسيين موالون لها, وقد استندوا في رهانهم هذا – أي خفوت التظاهرات ومطالبها – على مدى التدخل والتغلغل الإيراني في العراق, والعمليات الإرهابية كالخطف والاغتيال والتهديد للناشطين, بالإضافة إلى إدراكهم إن مرجعية السيستاني هي مرجعية انبطاحية, تنبطح لكل موقف وتسايره بشكل يتناغم مع مصلحتها الشخصية, فهي تطالب بما يطالب به المتظاهرون وإذا خفتت التظاهرات فإن صوت هذه المرجعية سيخفت وينتهي أيضاً, وما يؤكد ذلك, ماجاء في خطبة الجمعة في كربلاء لعبد المهدي الكربلائي وكيل السيستاني, الذي صرح بان خفوت التظاهرات لا يعني انتفائها لكنها ستعود في وقت لاحق بشكل أقوى !!.
فهذا التصريح دليل على إن مرجعية السيستاني لا يوجد لديها موقف واضح وصريح, فعوضاً عن دعمها للتظاهرات وشحذ همم المتظاهرين من أجل الإطاحة بالفساد ورموزه, فإذا بها تساير التيار ويخفت صوتها, وتكتفي بالقول ” ستعود التظاهرات في وقت لاحق بشكل أقوى “!! فلماذا لم تقل أو تصرح أو تطالب وعلى سبيل المثال بتحويل التظاهرات إلى إعتصامات أو تصدر فتوى بوجوب التظاهرات واستمرارها بشكل يومي وليس أسبوعي ؟؟!! فهذا الأمر دفع بمعارضي التظاهرات من رموز الفساد أن يراهنوا على خفوت التظاهرات وزوالها بمرور الوقت.
أما التوجه الأخر الذي يراهن على نجاح التظاهرات, فهي الجهات الوطنية العراقية الشريفة بما فيها الشارع العراقي المتظاهر نفسه, التي تراهن على ديمومة التظاهرات وإستمرارها حتى تحقيق جميع مطالب المتظاهرين, وقد راهنت هذه الجهات على وعي وثقافة الشارع العراقي الذي كسر قيود التبعية والانصياع لقادة الفساد ورموزه من سياسيين ورجال دين.
وهنا يبقى الأمر موكول للشعب العراقي نفسه. فأما يخفت صوته بالفعل ويجعل المفسدين هم من يكسبوا الرهان على ذلك وبهذا تذهب التضحيات التي قدمها المتظاهرين سدى, أو الاستمرار بالتظاهرات وبزيادة زخمها ورفع سقف مطالبها إلى التغيير الجذري الحقيقي وعدم القبول بالحلول الترقيعية والإصلاحات الشكلية الزائفة, وبهذا يكون النصر هو حليف المتظاهرين, وهذا الأمر يستلزم عدم الاهتمام بالأصوات النشاز التي تحاول أن تحط من همة المتظاهرين والتقليل من شأنهم, الأمر الذي يدفع بنا إلى التذكير بما قاله الناشط والمتظاهر الصرخي في بيان ” من الحكم الديني (اللا ديني)..إلى..الحكم المَدَني ” الذي دعا فيه إلى عدم الاهتمام من اسماهم بالنابحين ممن يسعون إلى وأد التظاهرات بمحاولاتهم الفاشلة التي عبرت وتعبر عنها التصريحات الفارغة الجوفاء القائمة على أساس رهان خاسر مقدماً, كون إرادة الجماهير العراقية أقوى من أن تثنيها بعض التصريحات… حيث قال..
{{… 9ـ أعزائي فَخَري العالمُ كلُّه ينظرُ إليكم وينتظرُ انجازاتِكم وانتصاراتِكم فلا يهمّكم نباحُ النابحين الذين يصِفونَكم بأوصافٍ هم أوْلى بها، ونأمل من الشعب العراقي أن يهب بكل فئاته لمؤازرة أبنائه المتظاهرين كما نطلب من الشعوب العربية والإعلام الحر النزيه المؤازرة والنصرة .
10ـ أعزائي منكم نتعلم وبكم نقتدي أيها المتظاهرون المصلحون هذه نصيحتي لكم فاعْقُلوها ولا تضيّعوا جهودكم وجهودَ مَن سمِع لكم وخرج معكم وأيّدكم ودعا لكم واهتم لخروجكم وآزركم فلا تخذلوهم ولا تخيبوا آمالهم لا تتخلوا عن العراق الجريح وشعبه المظلوم، إياكم إياكم لان التراجع يعني الخسران والضياع وان القادم أسوأ وأسوأ فالحذر الحذر الحذر, ولا ننسى أبداً هتافات أفواه وضمير وقلوب الجماهير المظلومة المسحوقة ((باسم الدين.. باگونة الحرامية))…}}.