الحلقة الاولى من العلاج
نصيحتي لكم قبل أن ابدأ بشرح دراستي , هي :
ان كنت تريد ان تكون رجل أعمال واقتصادي متمكن عليك ان تدرس الاقتصاد على يد اليهود والهنود وان تأخذ خبرتك في مجال الاقتصاد الدولي منهم فهما اكبر العقول الاقتصادية في العالم
بداية نقول علينا ان نستعرض الاسباب التي اوصلت العراق الى مرحلة حافة الافلاس هذه – وهذا تم مناقشته في دراسة نشرتها في صحيفة الحرف الصادرة عن البيت الثقافي العربي في الهند بتاريخ 30- 11 – 2014 ويمكنكم الاطلاع عيها بدخول الرابط الأتي http://www.theharf.com/poetry.php?cid=OA==&id=Mjkz
ونشرتها على موقع كتابات بتاريخ 1 كانون الاول 2014 ولم تكن اسعار النفط قد انهارت بعد يمكنكم الاطلاع عليها على الرابط الاتي : http://www.kitabat.com/ar/page/01/12/2014/39284/%D8%A7%D9%86%D9%87%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%A7%D8%AF%D9%88%D9%86-10–%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D8%BA%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A.html
أقول ان اول مسببات افلاس العراق هو عدم وجود خطة مدروسة لتحديد اولويات صرف الموازنة وعدم وجود رؤية لكيفية ادارة الموازنة بل تركت لتصور رئيس وزراء ووزراء ليس لهم ادنى دراية بعلم الاقتصاد فاداروا اموال العراق وكأنهم يديرون اموال غنائم ارادوا اقتسامها , وسأبين لكم الأسباب بعد هذا التوضيح البسيط :
عندما كنا طلابا ندرس الاقتصاد في البكالوريوس علمنا اساتذتنا في اول مباديء الاقتصاد ان لا نتعامل مع المبالغ المقطوعة في اي تعامل تجاري فلا يجوز ان نقرر ان عمولة الشركة التي تقدم لنا خدماتها بمبلغ محدد كأن نقطعها بعشرين دولارا مثلا فأن حدث وانهارت الاسعار فان مبلغ العمولة قد يكون وقتها اكبر من مبلغ السلعة المباعة او قد تكون مساوية لها فنخسر ما نبيعه ولا نحصل الا على ما يسد تكاليف العمولات وعلينا ان نعتمد النسبة المئوية بمنح العمولات و تسديد اجور الخدمات بنسبة مئوية تحافظ على قيمة المردود المالي صعودا وهبوطا , وما حدث في موضوع عقود الخدمة النفطية لم يتم تحديد عمولات الخدمة بنسبة مئوية بل بمبلغ مقطوع وهذا ما لم يفعله أي تاجر مبتدئ في حايته فكيف بدولة ؟
وهذا دليل على ان من وضع العقود بعيد كل البعد عن دراسة الاقتصاد او انه درسه ولكن لم تكن لديه الدراية الكاملة بكيفية صياغة العقود التجارية , صياغة العقود واستخدام وسائل وادوات تدخل في صياغة العقود وحماية المتعاقد اصبحت من العلوم التي يجب ان يكون لها متخصصون في علم الاقتصاد والمحاسبة والقانون والادارة وان يكون لهم اطلاع واسع على كيفية صياغة العقد ولغته وان يعرف ما في العقد وما بين سطوره التي لم تكتب فكانت الكارثة التي حلت الان بأيراداتنا النفطية حيث سنصل لمرحلة لا تكفي فيها الايرادات لتغطية تكاليف استخراج ونقل النفط الخام ودفع تكاليف الخدمة والعمولات وسنصل قريبا الى مرحلة ان تكاليف الخدمة ستبتلع كل الايراد
من يشارك في صياغة هكذا عقود يجب ان يكون ملما وعارفا بالأقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي و كذلك في اقتصاديات المالية العامة التي بها يتم تحديد السياسة المالية للبلد وان يكون على معرفة وتمكن من الدراسات النقدية التي تتعلق بتحديد السياسية النقدية وعرض وطلب وحجم النقد واسعار الفائدة وكيفية التوفيق بين السياسة المالية والنقدية للبلد وكيفية التعامل مع الميزان التجاري وميزان المدفوعات وبهما يحدد الموقف المالي للبلد وان يعرف كيف يتعامل مع نقطة التوازن التي بها يتم ضبط توازن الاقتصاد في نقطة يتوازن بها العرض الكلي مع الطلب الكلي مع الاسعار و مستوى الدخل وان يكون لديه حدس وفطنة للتعامل مع هكذا عقود استراتيجية .
وهنا احب ان اذكر موقفا ذكيا لأول وزير مالية للعراق في العهد الملكي , الاقتصادي العراقي أول وزير مالية في العراق الحديث والتاجر اليهودي ساسون حسقيل حيث فوضته الحكومة لمفاوضة
, البريطانيين للحصول على حصة العراق من واردات النفط حيث أصر على تثبيت ان يكون الدفع بألشلن الذهب سعرا للنفط المباع بدلا من العملة الورقية , والمفارقة ان اعضاء الوفد العراقي اعترضوا على ذلك , لكنه اصر , وبفضله استلم العراق فيما بعد ايراداته بالباون الذهب بدلا من العملة الورقية التي شهدت انخفاضا حينها .
حاول ساسون قبل وفاته ان يختم حياته بمنجز من منجزاته الكثيرة وحاول وضع خطة دقيقة من أجل إصدار عملة عراقية وطنية، وسعى جاهدا من أجل تحقيق ذلك
يساعده يهودي آخر هو إبراهيم الكبير مدير عام المحاسبة المالية آنذاك، وبالفعل فقد تم ذلك عام 1932 م وأصبحت النقود العراقية هي المتداولة بدلا من الروبية الهندية والليرة التركية
نحتاج الى هكذا وزير مالية لديه الحدس ولديه الحاسة السادسة او قل السابعة والخبرة في التعامل , انظروا الى وزراء مالية العراق بعد الاحتلال هل لدى احدهم ادنى فكرة عن الاقتصاد , بيان صولاغ مهندس مدني كل مؤلاته انه كان يعمل مع والده في علوة لبيع الرز فهل بيع الرز يعطيه القابلية لتكون لديه رؤية اقتصادية ووزير ماليتنا الان لا نعرف خلفيته العلمية حتى , فهل لديه القابلية على ادراة اقتصاد العراق , نعم لديهم مستشارون ماليون ولكنهم اثبتوا فشلهم في ادارة الملف المالي للعراق نتيجة ضعف خلفيتهم العلمية حتى محافظ البنك المركزي الحالي فكل ما يملكه هو شهادة اولية في المحاسبة فهل باستطاعة محاسب غير متمرس ان يدير سياسة العراق النقدية .
ساضرب لكم مثلا عندما كنا طلابا في البكالوريوس في قسم الاقتصاد – الجامعة المستنصرية حيث تخرجت فيها في حزيران 1980
كان من يدرسونا فطاحل الاقتصاد من عراقيين وعرب فمثلا كان يدرسنا النظرية النقدية الدكتور بروفيسور عبد المنعم السيد علي – خريج الولايات المتحدة الامريكية في الخمسينيات وشغل منصب نائب محافظ البنك المركزي العراقي ومن درسنا المالية العامة الدكتور بروفيسور عبد الجواد نايف – خريج بريطانيا والذي درسنا الاقتصاد الكلي الدكتور بروفيسور محمد الراوي من مصر وكان كذلك خريج الولايات المتحدة الامريكية ودرسنا الدكتور بروفيسور باسل الكرخي الاقتصاد الجزئي وهو خريج السوربون – فرنسا فيما درسنا الدكتور بروفيسور عدنان عباس علي تاريخ الفكر الاقتصادي وكان خريج المانيا .
كانوا عباقرة بحق لم يعلمونا كيف نحفظ النظريات الاقتصادية بل علمونا كيف نفهم ونتعامل مع الاقتصاد , ولكن كيف علمونا ؟
اذكر مرة في امتحان النظرية النقدية – التعامل مع النقود ووضع السياسة النقدية والتعامل مع اسعار الفائدة – كان الامتحان كله هو سؤال واحد , المقارنة بين النظريات النقدية لاربعة علماء في الاقتصاد ,
تصورناه امتحانا سهلا وكلنا أكملنا الاجابة بأقل من الوقت المحدد بكثير وملانا الصفحات و المفاجأة كانت ان جميع طلاب قسم الاقتصاد حصلوا على درجة صفر من عشرة الا طالب واحد حصل على واحد من عشرة وبعده كنت انا حصلت على نصف درجة من عشرة
راجعت استاذنا الفاضل عبد المنعم السيد علي واعترضت فقد كنت كتبت كل النظريات والفروق بينها كما كانت في اصل الكتاب , ضحك استاذي الرائع وقال من قال لك اني لا اعرف انكم تعرفون الفروق الظاهرية فكلكم تعرفونها ولكني اريد ان تكتبوا لي ماليس ظاهرا , اريد مابين السطور ومادمت قد حصلت على نصف درجة فهذا يعني انك فهمت قليلا ما اردته انا .
اراد ان يعلمنا كيف نفكر وكيف نتعامل مع النظريات لا مع النص
ساضرب لكم مثالا اخر :
كان لدينا استاذا مصريا جليلا هو الاستاذ الدكتور محمد فتحي ابو الفتوح – خريج بريطانيا – وكان يدرسنا مادة الاقتصاد الرياضي وفي هذه المادة كان يعلمنا كيفية بناء نماذج رياضية ومعادلات من الدرجة الثانية والثالثة لدراسة وفهم اي مشكلة اقتصادية يعاني منها السوق , وكنا متحمسين لهذه المادة جدا فبواسطتها سنتعلم حركة السوق والعرض والطلب ونقطة التوازن التي تتحكم في السوق واهمية الناتج القومي والدخل القومي في ذلك ,متصورين اننا بذلك امتلكنا المفتاح السحري لحل معضلاتنا الاقتصادية وكنا نقترح عليه بكذا وكذا , وفي نهاية الامر ضحك استاذنا ضحكة لها اكثر من معنى وقال :
كل ما تكلمتم عنه وما تعلمتموه لا يعادل قيمة صغيرة او اس رياضي واحد من المعادلة التي يكتبها من بيده القرار الاقتصادي في العالم , فهو من يمتلك كل حلول المعادلات واقيامها وهو من يصنع المشكلة ومن يضع الحلول التي تناسبه هو, لا السوق عندكم هو من سيحدد ذلك ولا العرض ولا الطلب وبأمكنه ان يقلب الطاولة على رؤوسكم ورؤوس حكامكم ودولكم – بجرة قلم – وضرب لنا مثلا , هل تعرفون ان ميزانية شركة جنرال موتورز لوحدها تعادل ميزانية 17 دولة افريقية بعضويتها في الامم المتحدة وجيوشها واعلامها التي ترفرف على سواريها , وان بأمكان رئيس هذه الشركة ان يغير رئيس دولة , وايضا – بجرة قلم – وان بامكانه ان يشعل حروبا ما بين الدول يكون لها اول ولا يكون لها اخر ,
اراد من مثله هذا ان نفهم ان الاقتصاد في دولنا ومهما كنا نريد ان نفعل هو اقتصاد تابع لأيادي كبرى تتحكم بالسوق العالمية وان علينا ان نقيم علاقات اقتصادية مع هذه القوى ونخطط بما يتكامل مع روءاها لا بما نطمح ونريد حتى لا نتقاطع مع اهدافهم , لقد كان محقا , الان فهمت معنى ما اراد افهامنا اياه فقد دفعت شعوبنا ثرواتها ودمائها ثمنا لما اردنا ان نحققه لانفسنا وبالتالي وبعد كل هذه التضحيات والموت والدمار لم تنجح الا المعادلة التي رسموها هم وليس ما اردنا ان نرسمه نحن
هكذا كانوا اساتذتنا يريدون ان نتعلم كيف نفكر لا كيف نحفظ الدرس وهذا هو الفرق مابين أساليب التعليم في الجامعات الامريكية والبريطانية والاوربية وما بيننا حاليا , يريدون ان يحركوا عندك ملكة التفكير والحدس , وهذا ما وجدته في الجامعة الامريكية حاليا حيث تدرس أبنتي ادارة الاعمال في جامعة سترات فورد الامريكية في الهند حيث يفرضون عليهم اضافة لدراسة مواد الاقتصاد ان ياخذوا دروسا في علم النفس والفلسفة ودروسا في كيفية السيطرة على القوى الداخلية للنفس البشرية بل وحتى كيفية تقديم واستلام كارت الزيارة ففي ذلك اتكيت واصول ومن خلاله عليك ان تعرف نفسية من تتعامل معه اي انهم يريدون ان ينموا ملكة التخاطب العقلي والدخول الى اعماق النفس البشرية عند التعامل التجاري معهم لتستطيع قراءة افكار الوفد الذي سيقابلك ويتفاوض معك بالعمل التجاري , نعم هو اشبه باعدادك لتكون سحارا .
كل هذه المقدمة كانت للتعرف على الفرق بين رجال الاقتصاد عندنا حاليا وبين رجال الاقتصاد في الدول المتقدمة وكيف اننا لا زلنا ننظر الى علم الاقتصاد نظرتنا الى – علوة المخضر- فمن أين لاقتصاديينا اليوم من المهارة ما لدى دول العالم المتقدم وهم اساسا بلا خبرة دولية في مجال الاقتصاد الدولي , هم لا ينقصهم العلم والذكاء فالعراقيون مشهورون بعلمهم وذكائهم ولكن تنقصهم الخبرة الدولية فمنذ العام 1980 ولحد احتلال امريكا للعراق كنا خارج التعامل الدولي وبلا خبرة دولية ومن تسلم زمام القيادة في العراق اغلبهم من وزراء ورؤساء وزارات لم تكن لديهم خبرة ادارة عربة بيع فلافل .
الان عرفنا السبب الأول بعد ان اطلعنا على الأمثلة اعلاه وهو عدم وجود من يملك ملكة الحدس والتفكير السليم لبناء الاقتصاد العراقي واغلب الموجودين هم يفهمون في الاقتصاد ولكن ليس لهم قابلية الابداع فيه ولم يتعلموا التفكير فيه بل تعلموا الحفظ فقط ولغرض تدارك هذا الخلل علينا أن نسترشد بخبرات شركات عالمية لنتعلم منهم قواعد واصول الاقتصاد الدولي والتجارة الدولية وان نتعامل مع شركات عالمية كبرى متخصصة في العقود التجارية ورسم السياسات المالية والسياسات القدية و ان نخضع الاقتصاد العراقي برمته لمراجعة شاملة من متخصصين دوليين في الاقتصاد لا ان نعتمد على تجارب دول جارة كايران وغيرها فيكون حالنا كحال من قال فيه المثل – أعمى يقود ضريرا –