17 نوفمبر، 2024 8:25 م
Search
Close this search box.

حكاية اغنية وقصة مدينة ..

حكاية اغنية وقصة مدينة ..

تزخر مدينة الناصرية التي هي بحق وريثة اور واخت اوريدو وامتداد اوما ولكش ولارسا بالموروث الشعبي والحكايات التي لو جمعت لافصحت عن تاريخ انسان هذه المدينة الذي هو لاشك تاريخ ثري مليء بالعبر والدروس .. فأغنية ” للناصرية ” التي هي الاغنية الاقدم التي تذكر المدينة منذ تاسيسها سنة 1869 ، كان قد ترنم بها العديد من المطربين الذين لم يسعفنا التراث العراقي باسمائهم لقدمهم ولكننا استطعنا ان نسجل منهم زكية جورج ، ومنيرة الهوزوز ،وانطوانيت اسكندر ،  وصديقة الملاية من القديمات في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .. وهذه الاغنية كانت تحكي وجع الفراق الذي تركه الحبيب او الزوج او الابن او الاب الذي هاجر الى مدينة الناصرية لغرض فرص العمل التي اوجدها تشييد تلك المدينة في مراحلها الاولى . حيث كان التشييد في بداية سنة 1869 ،  حيث نشأت مدينة الناصرية على يد الوالي العثمإني مدحت باشا عام (869 1م) لأجل إتخاذها مركزاً  لردع حركات التمرد للعشائر القاطنة آنذاك وقمعها  ، وسهـولة جباية الضرائب بعـيداً عن إستخدام القوة العسكرية التي كانت تستخـدم بين الحين والآخر، وإيجاد نوع من التجـارة بين بغداد والبصرة ، فضلاًعن العامل الإجتماعي ، ألا وهو إستقرار الخارطة القبلية و الحد من هجرتها وحراكها المستمر لغرض الإستفادة من المطرفي فصل الشتاء حـيث كانت العائلة تنقسم إلى جـزئين ، جزء يستقر بمنطقته الجديـــدة ( المجتمع النهري ) وقسم يرتحل بالأغنام والجمال مستفيداً من أعشاب البادية ليعود في بداية الصيف .. صُمّمت خطة بناء المدينة على النمط الأوربـي وفـق ذهنيـة المهندس البلجيكي جويـلس تلي ؛ لا وفق التخطيط العربي للمدن ، الذي اعتمد فيه على التركيب الداخلي للمدينة الإسلامية ، فقد كان تصميمها على طراز مدن الدورالثاني من القرون الوسطى الذي يسمى دور الإنتعاش ( دور الإستيطإن الثابت ) وأول من بنى فيها  داراً للسكن هو نعمة الله بن أكو بيجإن بن سركيس الكاثوليكي . ثم بناء عدد من الدكاكين والخإنات وأشهرها خإن أبو ليرة وخإن صفية لمبيت المسافرين أوالعمال الوافدين إلى المدينة لغرض كسب رزقهم  في هذه الحاضرة الجديدة. وقام بتوزيع بعض الخانات والدكاكين والحمامات على العاملين مجانا .. ولقد كان التخطيط الأول للناصرية في جانب واحد من النهر هو الجانب الشرقي في صوب الجزيرة. ووضع الحجر الأساس للمدينة في اليوم الثاني والعشرين من جماد الأولى سنة 1286هـ الموافق 1869م. حيث باشر المهندس والصناع بتنفيذ الخرائط على الأرض. فيما باشر العمال ببناء سراي الحكومة ثم خططت البيوت والمساكن والأسواق وجامع فالح باشا الكبير. وتمت عملية البناء بالآجر واللبن والجص والنورة والطين.. ولقد استقدم مدحت باشا العمال      والصناع المهرة من   بغداد وغيرها من مدن العراق. وأعطاهم أجورا مجزية يشرف على الصرف فيها نعمة الله اكوبجيان. وتم بناء سوق للعمال والصناع وجامع صغير سمي بجامع فالح باشا الصغير في محله الحالي المعروف قرب صفاة سيد سعد . وبذلك بدأت تنشا المحلات والأسواق فكان ميلاد محلة السراي ومحلة السويج ومحلة الجامع ومحلة السيف. ثم أخذت المدينة بالتطور والاتساع فيما أنشئ حولها سور يحيط بها على هيئة نصف دائرة وترها نهر الفرات وله أربعة أبواب. هي باب الشطرة وباب السديناوية وباب الزيدانية وباب القلعة والذي ظلت آثاره إلى العشرينات من القرن العشرين ولم يبقى له اثر اليوم. وبعد ان اكتمل البناء قصدها العديد من الأسر النازحة من ألوية العراق وقصدها الباعة والتجار والزرّاع، واستوطن فيها عدد من الصناع الذين شاركوا في بنائها . وبعد استكمال المدينة صدر الفرمان بتعيين ناصر بن راشد أول متصرف في الناصرية التي دعيت باسمه. واختير الموظفون الذين يساعدونه في الإدارة. فعين عبد الرحمن بيك الذي كان قائمقاما في الهندية معاونا لناصر باشا. والحاج سعيد أفندي محاسبا، وعبد القادر أفندي الالوسي قاضيا. وفي أواخر آب 1869م ركب هؤلاء الباخرة من بغداد  عن طريق دجلة وكان برفقتهم بعض الموظفين الصغار فوصلوا البصرة ثم توجهوا إلى المنتفق. وان عملية الارتحال هذه سعيا وراء الرزق اثارت لدى عوائل المرتحلين كما ذكرنا الشيء الكثير من الحنين جراء الفراق والبعد . فهنالك العديد من النساء اللائي تطوعن للعمل في المدينة وخاصة في صناعة الخبز او اطعام العمال ، وان بعض العائلات التحقت وراء رب الاسرة ، فاصبح نوع محبب من الهجرة كثر فيه الشعر والزجل والاغاني جراء الحنين والفراق .. فولدت اغاني كثيرة لم يحفظها الارشيف ولكن ابرزها اغنية للناصرية (بجناغ اروح وياك للناصرية .. تعطش واشربك ماي بثنين ادية ) وكان من ابرز مشايخ ذلك الزمان هو الشيخ جبير شيخ العبودة الذي انجب ولده عبيد والذي هو والد الشيخ خيون العبيد الشهير ” رحمهم الله ” فكانت القوالة او الشاعرة او المغنية  وهذه تسميتها في ذلك الزمان ، تستنجد بكبار المشايخ مثل مناحي ال حبيب وغيرهم .. ولكن هذه المرّة المغنية او القوالة استنجدت بالشيخ جبير والد عبيد مخاطبة اياه ( اريد اقصد ابو عبيد وابجي بمضيفة .. يرجعلي ساهي العين يحسبهة ضيفة ) وهذه العبارة كانت احدى مفردات هذه الاغنية .   فكان تاريخ هذه الاغنية في 1880 على مايبدو او بعد ذلك التاريخ بقليل .. وكان هذا الشيخ من كرام القوم ومن ذوي النجدة والبأس وقرى الضيف واغاثة الملهوف ..  وكبرت المدينة ونمت وانسعت حاراتها وولدت فيها محلات اخرى .. ومن الطريف ان الذبن ترنموا بهذه الاغنية هم كل من المطرب حسين نعمة ، واسماعيل شبانة .. جاسم الخياط .. ياس خضر ، والملحن طالب القرغولي ، ووليد الشامي ، ومائدة نزهت ، وفاضل عواد ، وعبد العزيز الياس ورعد المولد ، وماجد الحميد ، والمطربة دالي ، وكذلك ترنم بها الشاعر الكبير مظفر النواب  وبصوته الشجي ..

أحدث المقالات