تصويب في توجيه أصابع الاتهام

تصويب في توجيه أصابع الاتهام

مافتئنا نحن الكتاب نبري أقلامنا ونشحذ طاقاتنا في التعبير، لوصف ما يستجد من أحداث على ساحة بلدنا يوميا، من جراء أقوال ماسكي زمام أموره وأفعالهم، وما من أمل يغرينا باستدراك واحتواء ما يخلفونه من آثار جلها سلبية. ولو جمعنا ماكتبناه عن مسؤولي البلد وساسته السابقين واللاحقين وتقصيراتهم المتعمدة وغير المتعمدة، لا أظن أن مكتبة بحجم قصر شعشوع بإمكانها احتواء كل تلك الكتابات. ولكن لو نظرنا الى الحالة بمنظار أوسع، ونعيد توجيه أصابع الاتهام بشكل أكثر عدلا وإنصافا، سنكتشف ان لجهات عديدة دورا في تردي جوانب كثيرة في البلد مقارنة مع باقي بلدان العالم. فعلى سبيل المثال نرى ان هناك مناسبات تهتم بها الشعوب والحكومات على حد سواء، كذكرى وفاة او ميلاد عالم او أديب او رجل دين، ممن لهم بصمة وأثر يقفو على أثره اللاحق من الأجيال، ومنها مناسبات وطنية ودينية وتاريخية واجتماعية، تشترك مؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية مع المواطن في تطبيق طقوسها وشعائرها، وبذا يترسخ مفهوم الوطنية والإلتزام بها. وما اختيار يوم واحد لمثل هذه المناسبات إلا تذكير بأهمية هذه الممارسة لتمتد وتستمر باقي أيام السنة بنفس الهمّة والإهتمام، ولكن وبكل أسف نفتقد هذا الاهتمام من قبل مؤسسات الدولة، وكذلك المواطن، وعذره في هذا ضعيف.

هنا في عراقنا؛ لنا من تنوع التضاريس الأرضية بين سهول ووديان وجبال وصحارى وأهوار، مالايحده بصر ولا يقف على نهايته نظر، وفيه من فصول المناخ أربعتها. أليس من الأولى بنا جميعا؛ شيبا وشبابا ومسؤولين وقيادات حكومية ومدنية، الإحتفاء به وإدامة أرضه ومائه وسمائه لتدوم خيراته لنا وللأجيال بعدنا؟ أوليس الأجدر بنا أن نتعلل الأسباب لخلق المناسبات التي تزيدنا التصاقا بتربة عراقنا، وتطبيق طقوس محبتنا بين الحين والآخر لنتذكر ان السلام والأخاء والحب لن يرحِّله عن أرضنا ساسة وأنظمة، يجيئون ويروحون بسياسات وممارسات يهدفون منها تشتيت اللحمة بين النسيج الوطني الممتد في عمق التاريخ أكثر من أربعة آلاف عام في أرض وادي الرافدين. ولاأظن من بين الساسة والمسؤولين من لايدرك أبعاد مايفعله من سلبيات تعود بالضرر على منصبه ومؤسسته، وبالتالي على المواطن والبلد بشكل عام، فجميعهم لم يكونوا قليلي خبرة حين تسنموا مناصبهم، كما أنهم من غير المعقول ان يعبثوا في أرضية سفينة هم من ركابها، كما لايعقل ان (يهجم) إنسان سوي بيته بيده، كذلك لايعقل ان يسعى الى إضرام النيران فيه.

لكن واقع الحال فيما جرى خلال العقد الأخير في بلدنا يعكس غير هذا تماما، إذ مامن مفصل من مفاصل الدولة إلا ويمخر به الإهمال والتقاعس والخراب، والعجب كل العجب أن لنا إرثا كبيرا من الشخصيات الجديرة بالاحتفاء والاستذكار، إلا أننا لانأبه بها بتاتا. والعجب أيضا أن هناك دائرة إعلامية في كل مؤسسة حكومية وظيفتها متابعة الأحداث التاريخية والمواظبة على إحيائها، لكنها لاتلتفت إلا للجديد من المشاكل والقلاقل في أروقتها، وفي هذا إساءة لتاريخ البلد. فإذا كان العامل مسيئا والموظف مسيئا والمدير مسيئا والمفتش العام مسيئا والوزير مسيئا ورئيس الوزراء مسيئا، وقبل هذا وذاك المواطن مسيء، فلماذا لا نعيد تصويب توجيه أصابع الاتهام، ونعمل كما يقول مثلنا؛ (ننطي كلمن طينته بخده).

[email protected]