أثار الإنزال التي ادعت الإدارة الأمريكية إن قوة تابعة لها قامت به على سجن خمس نجوم مزعوم لداعش في الحويجة شانه شان أي حدث أخر انقساما بين الأطراف السياسية العراقية فقد تفرقت الأصوات بين من يراه عملا شجاعا وحكيما وبين من يراه انتهاكا للسيادة ويهدف إلى تعزيز الوجود الأمريكي على الأرض وبداية لعودة قوات الاحتلال إلى العراق وآخر يراه فبركة إعلامية , وبين هذا الرأي وذاك تنتهك السيادة العراقية من قبل عدة جهات لان العراق يفتقد واقعا إلى الرادة السياسية الموحدة . كما لم يعد لمفهوم السيادة معنى محددا , فعندما يتطلب الأمر تدخل ما يسمى التحالف الدولي لدعم القوات العراقية تصر إدارة التحالف على احترام السيادة شكليا وذلك لان في هذه الشكلية ما يمنح الحليف الداعشي فرصة للنجاة , حدثني ضابط إن الاستخبارات العراقية رصدت رتلا مكونا من عشرين شاحنة محملا بمادة متفجرة فطلبت من المركز المسيطر للتحالف توجيه ضربة للرتل بعد إن زودته بالإحداثيات اللازمة لتحديد حركة الرتل فرد المسؤول إن الأمر يتطلب توقيعا عراقيا للطلب فتم الاتصال بالمسؤولين العراقيين وتم توقيع طلب رسمي الى التحالف , فقال المسؤول الأمريكي انه سيتصل بالقيادة المركزية لإبلاغها بطلب العراق وقد استغرقت العملية بحدود 10 -12 دقيقة وتم الأمر واستدعيت طائرات التحالف لتوجيه الضربة فوصلت بعد حوالي نصف الساعة, فلم تجد من العشرين شاحنة غير ست شاحنات دمرتها بالكامل , فهذا الأمر لا يمكن رفضه عراقيا لان الأمريكان أمام العراقيين يحترمون السيادة ولم يرفضوا الطلب وبالمقابل امنوا لحليفهم الداعشي وصول أربع عشرة شاحنة بكامل حمولتها وبذلك يكون التحالف قد أرضى جميع الأطراف , فالسيادة هنا محترمة لان في احترامها تحقيق المآرب الأمريكية على طريقة ذر الرماد بالعيون , لكن حين تكون العملية مخطط لها في الكواليس لا تكون السيادة حاضرة بل لا مكان لها كما حصل في عملية الحويجة التي ادعى الأمريكان إنهم قاموا بها بطلب ومشاركة ميليشيا الأكراد , فكيف تلبي الإدارة الأمريكية طلبا للأكراد وتحت أي عنوان فإذا التعاون العسكري بين العراق وأمريكا يتم وفق اتفاقية الصوفا فالمفروض إن الجهة المخولة للطلب بالتدخل العسكري هي الحكومة المركزية لأنها من وقع عليها , وإذا كان التعامل يجري على أساس القانون والأعراف الدولية أيضا حكومة المركز هي المخولة وحدها في الطلب للجهات الدولية للتدخل , ولا قيمة للادعاءات الأمريكية بان إنزالها تم بعلم الحكومة العراقية التي بدورها نفت ذلك . وبدورها اختلفت وسائل الإعلام في تحليل هذا الحدث الذي وعدت امريكا بتكرار أمثال له , فهناك وسائل إعلامية ادعت إن العملية تمت بالاتفاق مع داعش من اجل تحقيق هدفين الاول إخراج قيادات داعشية مهمة من الحويجة التي قد تصلها القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي لتحريرها من الدنس الداعشي والثاني إعلامي ودعائي بحت يهدف لمنح الأمريكان مجدا مزيفا بعد إن كشفت الضربات الروسية في سوريا عدم جدية أمريكا بمحاربة داعش وفضحت هزال ضرباتها الجوية تحت مسمى التحالف الدولي والذي كما أعلن مسؤولوه أنهم وجهوا منذ قيام التحالف بتنفيذ أكثر من سبع آلاف طلعة جوية والفرق واضح بين الطلعة والغارة الجوية , إن توقيت الإنزال ونسبة الدافع إليه إلى طلب الأكراد الذين زعموا أنهم زودوا الأمريكان بمعلومات استخباراتية عن مكان وجود تسعة عشر ضابطا من ضابط مليشيا الأكراد وعدد آخر من عناصرهم أسرى عند داعش لكنهم عادوا وأعلنوا أن المحررين لا يوجد فيهم كردي واحد ويراد بذلك رفع أسهم برزاني ومنحه جرعة معنوية تنعشه وتظهره قائدا خالدا ووحيدا للشعب الكردي وزعميا وطنيا محبوبا لا يفرق بين كردي أو عربي وأيضا التغطية الإعلامية على الأزمة في شمال العراق والصراع السياسي القائم هناك بسبب تمسك برزاني بالسلطة خلافا للدستور وأشغال الرأي العام هل كان هناك إنزال حقيقي أم ما رأيناه هو عبارة عن فيلم اكشن أمريكي يذكرنا بفيلم نزول الرجل الأمريكي على القمر , وقد استغلت وسائل إعلامية كردية موالية لبرزاني الأمر فعرضت لقاءات للمحررين وكلهم من غير الأكراد ومن أهالي الحويجة امضوا أربعة أشهر بسجن داعش بالحويجة وقد وصف بعض المتحدثين من هؤلاء برزاني بتوصيف الأب الرئيس القائد مقدمين له الشكر والثناء . فإلى متى يبقى العراق لعبة بيد أمريكا وأدواتها من أمثال برزاني وغيره من الساسة الذين يرون أنفسهم بحجوم اكبر من حقيقتها بكثير , وما يؤسف إن الحكومة العراقية لم تتخذ خطوة مناسبة تتوجه بها إلى الشعب لتوضيح حقيقة ما جرى خصوصا إن الإنزال اثار حفيظة فصائل الحشد الشعبي القوة الضاربة في مواجهة داعش والتي ترفض أي تواجد عسكري أمريكي على الأرض كما نتسبب بحالة من الحيرة في أوساط الشعب العراقي فيبدو إن السكوت واحد من أنجع وسائل حكومة الصدفة في العراق بمواجهة الأمور الجسيمة . … و لك الله يا عراق