ظهر مؤخرا الزعيم النازي ادولف هتلر وهو يقرأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” و”تويتر” و”يوتيوب” قصيدة الشاعر الشعبي الراحل سعد محمد الحسن “اليه بالمعالي كان ما كان”. لم يعد مثل هذا الامر غريبا من حيث التقنيات الحديثة التي تسمح بذلك ومنها “الفوتو شوب” وسواها لكن ما ينبغي التوقف عنده هو طبيعة الرسائل التي يراد ايصالها الى الطبقة السياسية التي باتت اليوم في موضع ادانة من قبل الشعب العراقي. وهو امر يجب التوقف عنده. العراقيون وبرغم ما يعرف عن تاريخهم المملوء بالحزن فإنهم يتمتعون بروح السخرية والدعابة في اللحظات الفارقة من هذا التاريخ . روح السخرية التي جعلت هتلر يردد قصيدة عراقية شعبية تزامنت مع التظاهرات المطالبة بالاصلاح ومكافحة الفساد.
المفارقة اللافتة ان روح السخرية هذه غابت عن التظاهرات التي إنطلقت في المحافظات الغربية عام 2013 لكنها حضرت بقوة في تظاهرات 2015 التي إنطلقت من الجنوب والوسط وصولا الى بغداد. وفي الوقت الذي قد تتعدد فيه وجهات النظر بهذا الصدد الا أن الأمر من وجهة نظري يعود الى المضامين التي انطلقت منها التظاهرات عامي 2013 و2015. تظاهرات المحافظات الغربية كان السياسي فيها اكثر من الخدمي بينما التظاهرات الحالية يطغى عليها البعد الخدمي اكثر من السياسي.
عدم التعامل الجدي مع تظاهرات 2013 عمق ما هو سياسي فيها حتى اختطفها تنظيم داعش فيما بعد, بينما محاولات التسويف الجارية من قبل جهات تعرقل الاصلاحات وهو ما اشتكى منه رئيس الوزراء حيدر العبادي اكثر من مرة عمق روح السخرية اللاذعة التي ربما لاتستمر طويلا. فالسخرية في النهاية سلاح ذو حدين ويتوجب الحذر منه. حتى على صعيد التعامل مع مضامين الشعارات, فإنه في الوقت الذي رفع فيه شعار “قادمون يابغداد” بعد فترة دب فيها الياس بين صفوف متظاهري الانبار فان شعار “باسم الدين باكونة الحرامية” كان في مقدمة ما طرح لوضوح الاهداف ومراميها الاصلاحية.
مفردة “يتجعبن” التي رددها هتلر عمقت روح السخرية المرة لدى المواطن. فحين “يتجعبن” هتلر فان هذا يعني ان السخرية العراقية بلغت ابعد مدياتها في التعامل مع أكثر ظواهر السياسة تطرفا وهي ظاهرة هتلر والنازية خلال القرن الماضي. بالتاكيد لا يوجد اصل لهذه المفردة في “لسان العرب” لابن منظور لكنها اكتسبت شرعيتها في السياق التداولي بين الناس حتى ضمها غوغل الى الى قاموسه. فبمجرد ان تكتبها على غوغل حتى يظهر لك استخدامها الاشهر وهو في قصيدة الحسن “اليه بالمعالي كان ما كان ـ وعلي هسه يتجعبن كان ما كان ـ بطران ويسولف كان ما كان ـ ولك ياكان والكانون بيه”.
روح السخرية برغم قسوتها احيانا الا إنها إحدى دعامات الإبقاء على سلمية التظاهرات برغم دعوات الدخول السلمي هو الاخر الى .. المنطقة الخضراء.