18 نوفمبر، 2024 4:30 ص
Search
Close this search box.

هل ستلجأ المرجعية الدينية إلى آخر العلاج

هل ستلجأ المرجعية الدينية إلى آخر العلاج

المرجعية الدينية لفظة يصرفها الذهن آليا إلى القيادة الدينية للطائفة الشيعية بشقيها ألأخباري والأُصولي وهي
اسم مكان مسندة إلى لفظة مرجع المشتقة من الفعل رجع حيث يرجع الناس في أمور دينهم إليه كونه الزعيم الروحي العالم بالشريعة والقادر على استنباط أحكامها من مظانها المقررة في علم الأصول .
 والمرجع عند الأمامية الفرقة الأكبر في الطائفة الشيعية متعدد غير منحصر بواحد من المجتهدين الذين تشترط فيهم مجموعة شرائط في مقدمتها أن يكون مجتهداً مطلقا عادلاً  لكن الزعامة غالبا ما تكون لأعلم المراجع والذي تُحدد أعلميته من قبل أهل الخبرة،  والأقدر على إدارة شؤونها  والمرجعية الشيعية تتسم بعدة خصائص تميزت بها عن المرجعيات في الساحة الإسلامية بشكل عام، والآن تنحصر لفظة المرجعية بمقام السيد السيستاني دام ظله المدعوم من  المراجع الآخرين , وقد تصدت المرجعية للشأن السياسي بعد الاحتلال متبنية موقفا سياسياً متوازنا وسعت لتحقيق أهداف الشعب كوحدة مجتمعية متماسكة , من خلال خطين سارا مع بعض الأول السعي إلى التهدئة والثاني مطالبة الاحتلال بمطالب هو يدعوا إليها وتعتبر من صميم ثقافته السياسية , في مقدمتها الانتخابات والإصرار عليها ورفض محاولات الأمريكان فرض حكومة تختارها الإدارة الأمريكية ,  وكتابة الدستور مما سلب المحتلين هامش المناورة الذي كانوا يتحركون من خلاله ولما كانت المرجعية العليا في النجف الأشرف المتمثلة بالإمام السيستاني لا تقول بولاية الفقيه ولا تسعى لاستلام سلطة كان منطقيا أن تؤول الأمور إلى حكومة مدنية تأتي عن طريق الانتخابات بمعنى أن الأمور تهيأت للحركات والأحزاب السياسية وخصوصا  الأحزاب التي تدعي بهتانا الرؤيا الإسلامية  والتي سعت من اليوم الأول لسقوط النظام ألبعثي في العراق للالتفاف حول المرجعية والاحتماء بعباءتها  وصرنا نسمع شعارات مثل الحزب الفلاني جنود المرجعية أو الشخصية السياسية الفلانية يعلن انه من أبن المرجعية والحقيقة أن الدافع لكل ذلك هو الفقر الجماهيري لهذه الأحزاب ولعدم وجود القاعدة الشعبية الواسعة لديها فلم تجد هذه المسميات الحزبية غير الاحتماء  بغطاء مرجعي والمؤسف أن المرجعية الدينية منحتهم رعايتها  وفازوا بالانتخابات بفضل هذه الرعاية  وبفضل دعمها  لهذه الكتل السياسية ومن خلال اعتماد القائمة المغلقة التي تشكلت بموجبها قائمة الائتلاف الوطني بالرقم 169 والتي شكلتها مجموعة مختارة من المرجعية منحتها الثقة لتنظيم القائمة والتي كانت تمنح المقاعد فيها حسب تسلسل الأسماء  وقد قامت لجنة الإشراف بترتيب أسماء المرشحين بطريقة ضمنت صعود نكرات أصبحوا فيما بعد هم المتسلطين على  دفة العملية  السياسية ما يحير هو كيف قبلت حكمة المرجعية نظام القائمة المغلقة ولماذا سكتت طويلا على سوء الإدارة والفساد الإداري والمالي والتقصير بحق الشعب والوطن ؟ وارتضت اتخاذ معارضة هادئة تمثلت بالدعوات إلى محاربة الفساد أو الامتناع عن استقبالهم بعد أن تمادوا كثيرا في فسادهم وعبثهم , إن الإجابة الصريحة ومن خلال قنوات مرجعية مرموقة إن ذلك الموقف يقوم على قاعدة دفع الأسوء  بالسيئ أو على وصف احد المراجع أنكم أمام خيارين إما أن ترضون بمن  يقتلكم أو ترضون بمن يسرقكم  , أي انتم لا تملكون خيارا غير القبول بأهونهما  شرا هذه الفلسفة التي قامت عليها سياسية المرجعية بمواجهة انحدار الأداء لدى الطبقة السياسية التي دعمتها المرجعية ووضعتهم على رأس العملية السياسية في البلاد , إن حصول تلك الطبقة على مباركة أو دعم المرجعية وبالتالي التسلط على مقدرات البلاد يعود لواحد من الاحتمالات الآتية أما أنها نجحت في استغفال المرجعية مستفيدة من تصاعد الأحداث وتعقيدات الظروف التي أعقبت احتلال العراق  عام  2003 أو أنها بسبب تجربتها وما سمي نضالها أو جهادها نالت ثقة المرجعية اعتمادا على حسن الظاهر الذي تعتمده المرجعية في تقييم الأشخاص لأن البواطن والنوايا لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم , والاحتمال الأخير أن المرجعية تعمدت ذلك  مستهدفة كل ما حصل وهذا أمر مستبعد لأن المرجعية وعبر تأريخها الطويل كانت راعية أمنية لمصالح الأمة حريصة على تحقيق أمانيها المشروعة وتطلعاتها نحو مستقبل مشرق سعيد , الحقيقة المؤلمة إن أحزاب السلطة  تجلببت بجلباب المرجعية وادعت زوراً أنها خيار المرجعية ,لقد أدى فشل قوى الائتلاف الشيعي في رسم واقع سياسي ناضج وفشل الحكومات المنبثقة عن هذا الائتلاف في تحقيق  وعودها واستمرار حالة التردي انعكست آثاره على المرجعية الدينية باعتبارها راعية وحاضنة للمشروع الشيعي السياسي  وهذه الرعاية أثبتها الواقع  ولا يمكن للمرجعية أن تنكرها , رغم محاولاتها لنفي علاقاتها بالواقع الفاشل للقوى التي وصلت للحكم من خلال الدعم المرجعي وان كان غير مباشر , وشهدت فترة الانتخابات الأخيرة التي جرت في 30 نيسان عام 2014 تطورا مهما لم يكن معهودا في طريقة تعامل المرجعية مع الشأن السياسي  تمثل  بالتصدي المباشر للمرجعية لقضية الولاية الثالثة حيث نسب القول للمرجعية بان تجديد الولاية الثالثة للمالكي يقود لتقسيم البلاد لكن ما جرى بعد تكليف السيد العبادي وما تعهد به من تنازلات كبيرة على حساب استحقاق المكون الأكبر أثار استغراب الكثيرين واستدعى علامة استفهام كثيرا , وكان التطور الأكبر لدور المرجعية ممثلا بفتوى الجهاد الكفائي المعصومة والتي أتثبتت أن المرجعية أكبر بكثير من كل ما يملكه سياسيو الصدفة من أفق ومن استطاعة لتحشيد قوى الشعب في مواجهة الأخطار  , لقد منعت المرجعية الرشيدة بتلك الفتوى تمزيق البلاد وأجهضت مخططات القوى المعادية للعراق وأعوانهم الإرهابيين  من تحقيق أهدافهم السوداء , خلاصة القول ان الواقع اثبت خطاء المرجعية حين رفضت استلام حكم العراق بعد احتلاله في عام 1914 من قبل بريطانيا , وأخطأت ثانية في عام 2003 حين دعمت قوى سياسية لا تملك رؤية ولا تمتلك مشروعاً سياسيا يمكنه قيادة البلاد ولا تنظر للمرجعية  حقيقية أكثر من أنها سفينة وصول إلى السلطة , والدليل على عدم التزامها برأي المرجعية ما قدمته من وزراء سبق أن جربوا وفشلوا واتهموا بنزاهتهم  بإصرار عليهم ضاربين عرض الجدار دعوة المرجعية لعدم تجريب المجرب والإتيان بالأكفاء. وإنها الخاسر الأكبر من قبولها بمن صاروا رموزا للعملية السياسية   رغم ما أبدته من حكمة وحنكة في إدارة الأمور في تجنيب البلاد الانزلاق إلى هاوية حرب داخلية لو قدر لها أن تندلع خصوصا بعد حادثة تفجير مرقد الإمامين العسكريين لما كان لأحد أن يتوقع نهايتها  فإذا كان خطاء عام 1914 أصبح في ذمة التاريخ فإن خطاء 2003 يمكن إصلاحه  بخطوة وحيدة هي رفع يد المرجعية عن الكتل السياسية المكونة للتحالف الوطني ودعمها للمستقلين الوطنيين من أهل الكفاءة والنزاهة الذين يمكن أن يحفظوا حقوق الأغلبية من خلال رؤية وطنية  تتماهى مع توجهات المرجعية وتطلعاتها الوطنية , وأن لجوء المرجعية لآخر العلاج وهو الكي لم يعد خيارا مستبعدا بعد أن استنفدت كل وسائلها مع السياسيين الذين أصروا ويصرون على فشلهم وعدم الاهتمام إلا بمصالحهم الشخصية ومصالح كياناتهم السياسية التي صارت عبئا حقيقيا على الشعب العراقي , خصوصا بعد دعوتها الصريحة  لرئيس الوزراء  لان يضرب بيد من حديد كل قوى الفساد وان يكون أكثر جرأة وشجاعةً في ذلك وحرصها على توجيه المتظاهرين إلى ضرورة توحيد شعاراتهم وتحديد مطالبهم على أن تكون مشروعة وواقعية . إن استشراف المرجعية لخطر تجاوز إرادة الجماهير بالتغيير وإصلاح حال الأوضاع  يجعلنا نأمل منها مواقف مغايرة لمواقفها طيلة السنوات الماضية لأن الأوضاع لا تحتمل الانتظار والتوجيه الهادئ المستند لفلسفة دفع الأسوء بالسيئ لأن الصبر  على المفسدين والفاشلين وان ارتدوا غشا عباءة المرجعية لم يعد حكمة وأن القادم منهم  سيكون أشد ضرراً وأكثر خطراً اذا لم ترفع المرجعية يدها عنهم وتتركهم يواجهون غضب الشعب دون استار الخديعة

أحدث المقالات